محاضرات التفسير عند الفرق

 

 


الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية

قسم: الكتاب والسنة                                                           المستوى: السنة ماستر1

تخصص التفسير وعلوم القران  

تقديم الدكتور: رياض عميراوي

 

محاضرات في التفسير عند الفرق

حسب المقرر الوزاري

 

المبحث الأول: التفسير عند المعتزلة

المبحث الثاني: التفسير عند الشيعة

المبحث الثالث: التفسير عند الأباضية

المبحث الرابع: التفسير عند الصوفية

 

 

 

المبحث الأول: التفسير عند المعتزلة

1-    التعريف والنشأة

التعريف:

المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية (*) والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.
التأسيس والنشأة:
 اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين:
ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة (*)، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:
1
ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين
2
ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".
3
ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته .
ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.

أبرز شخصياتها:

 ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:
ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو  وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76 . وتسمى طائفة الهذيلية .
ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة (*) وقد تأثر أيضاً بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة .. وقال:بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية .

ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.
ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية (*) فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر (*) خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية .
ـ عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير (*) حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية .
ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ)، كان جامعاً بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة . وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين . وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية .
ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظراً لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية .
ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية
ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.

المبادئ والأفكار:

جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:

ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز . حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك .

 الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة (*) ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً.

 ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:

1-      ـ التوحيد .

2-       ـ العدل .

3-       ـ الوعد والوعيد .

4-       ـ المنزلة بين المنزلتين .

5-       ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

أولا: التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.
ثانيا: العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه . وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية (*) وإرادته الشرعية (*) .

ثالثا: الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحساناً ويجازي المسيء سوءاً، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة (*) إلا أن يتوب .
ـرابعا: المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر . وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .

خامسا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشاداً للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا . ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق .

 ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل (*) كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلاً فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني: " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح (*) صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح " .

ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها .

ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم .
ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:
"
كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين "، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفاً إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا .
ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة (*) اليونانية عامة وبالمنطق (*) الصوري الأوسطي خاصة .

*وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعاً أسلوبهم في الجدال (*) والحوار .. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين .

 ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحماً .. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل .

 وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل (*) في تعاملهم مع نصوص الموحي (*)، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه . ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائماً حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتماداً على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.

وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:

-ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة .

-ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.
ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة . خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور . ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:

1- ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات .

2-ـ العقل (*) وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات .
3
ـ الوحي (*) من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ

وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.

منهج المعتزلة في التفسير:

 لما ظهرت الفرق الدينية تأثر التفسير بها إلى حد كبير، حيث قصد أصحابها إلى القرآن الكريم لأخذ ما يشهد لمذهبهم منه، ولو بطريق إخضاع النص القرآني وقسره على موافقة رأيهم، وتأويل ما يصادمه تأويلاً لا ينافي مذهبهم ولا يعارض عقيدتهم. ولقد استفحل الأمر إلى حدٍّ جعلهم يتسعون في حماية آرائهم والترويج لها في غير محيطهم؛ بما أخرجوه للناس من تفاسير جملوا فيها كلام الله _سبحانه_ على وفق أهوائهم ومقتضى نحلهم.

وكانت فرقة المعتزلة من هذه الفرق التي تأولت كثيراً من آيات القرآن على غبر تأويلها، من أجل خدمة أصولهم الخمسة التي يجمعون عليها، وهي: (التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(1).

ويقوم موقف المعتزلة من تفسير القرآن الكريم على الأسس الآتية(2)

1-      إقامة تفسيرهم على أصولهم الخمسة، ولهذا كان اعتماد تفسيرهم على العقل أكثر من الاعتماد على النقل حتى يستطيع المفسر الذي هذا حاله أن يلوي العبارة إلى جانبه، ويصرف ما يعارضه عن معارضته له وتصادمه معه، ولذلك وضعوا أسساً للآيات التي ظاهرها التعارض فحكّموا العقل ليكون الفيصل بين المتشابهات، وقد كان من قبلهم يكتفون بمجرد النقل عن الصحابة والتابعين.

2-       إنكار ما يعارضهم من الأحاديث الصحيحة، حيث جرّهم السلطان العقلي المطلق إلى إنكار ما صح من الأحاديث التي تناقض أسسهم وقواعدهم المذهبية.

3-      ادعائهم أن كل محاولاتهم في التفسير مرادة لله _تعالى_، حيث يرون أن الحكم هو ما أدى إليه اجتهاد كل مجتهد، فرفضوا أن يكون للآية التي تحتمل أوجهاً تفسيراً واحداً لا خطأ فيه، وحكموا على جميع محاولاتهم في التفسير بأنها مرادة لله _تعالى_، وغاية ما قطعوا به هو عدم إمكان تفسير المخالف لمبادئهم.

4-       المبدأ اللغوي في التفسير لدى المعتزلة، فنراهم يحاولون أولاً إبطال المعنى الذي يرونه مشتبهاً في اللفظ القرآني، ثم يثبتون لهذا اللفظ معنى موجوداً في اللغة يزيل هذا الاشتباه ويتفق مع مذهبهم، ويستشهدون على ما يذهبون إليه من المعاني التي يحملون ألفاظ القرآن عليها بأدلة من اللغة والشعر العربي القديم.

5-       تصرف المعتزلة في القراءات المتواترة المنافية لمذهبهم.

6-       تذرع المعتزلة بالفروض المجازية إذا بدا ظاهر القرآن غريباً، كقوله _تعالى_: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ" [الأعراف : 172]، يحملون هذه الآية وأمثالها على التخييل والتمثييل، ولا يقولون بالظاهر ولا يحومون عليه، اللهم إلا للرد على من يقول به ويجوّز حصوله. ونقول لهم نعم إن القرآن يمثل القمة العالية في كمال الأسلوب وبراعة النظم، ولكن ما الذي يمنع من إرادة الحقيقة! وقد تقرر أن اللفظ إذا أمكن حمله على الظاهر وجب حمله عليه وقبح صرفه إلى غير ما يتبادر منه.

7-       تفسيرهم للقرآن على ضوء ما أنكروه من الحقائق الدينية.

8-      ويكفي أن نعرض من تأويلات المعتزلة صورة واضحة على المهارة الفائقة التي يلوون بها الآية إلى جانبهم ويصرفونها عن أن تكون دليلاً لخصومهم:

لما عرضوا لتفسير قوله _تعالى_ في سورة النساء: "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً" [النساء : 164]، ووجدوا أن هذه الآية تعارض مذهبهم في صفة الكلام لله _تعالى_، حيث جاء المصدر مؤكِّداً للفعل رافعاً لاحتمال المجاز، بادروا إلى تحويل هذا النص إلى ما يتفق ومذهبهم فزعموا أنه يُقرأ هكذا: "وكلّم اللـهَ موسى تكليماً" بوضع لفظ الجلالة في موضع نصب على أنه مفعول، ورفع موسى على أنه فاعل. وبعض المعتزلة يُبقي النص على قراءته المتواترة ولكنه يحمله على معنى بعيد حتى لا يبقى مصادماً لمذهبه، فيقول: "إن كلم من الكلم يعني الجرح، فالمعنى وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن". وهذا ليفر من ظاهر النص الذي يصادم عقيدته ويخالف مذهبه.

وهذا الذي ذكرناه عرضه الزمخشري في تفسيره (ج1 ص 397 – 398)، وقد نسب القول الأول إلى بعض شيوخ المعتزلة ولم يعقّب عليه، وكأنه ارتضاه وصوّبه! والواقع أنه قول لا يرضاه منصف، فالقراءة التي فيها لفظ الجلالة في محل رفع على أنه الفاعل "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً" هي القراءة المتواترة، ولا يقول منصف بترك القراءة المتواترة والأخذ بقراءة لم تبلغ حد التواتر، بل ولا نعرف لها سنداً صحيحاً إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
والقول الثاني، وهو تأويل التكليم بالجرح، عدول عن المعنى المتبادر من اللفظ ، ولا يساعده السياق، ولهذا نرى الزمخشري نفسه – على اعتزاله – يستخف بهذا الرأي، ويصفه بأنه من بدع التفاسير.

أهم كتب التفسير الاعتزالي:

صنف كثير من شيوخ المعتزلة تفاسير للقرآن الكريم على أصول مذهبهم لكن كثيراً منها ضاع بتقادم العهد عليه. ومن أهم هؤلاء الذين وصلت إلينا تفاسيرهم أو بعض منها، أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، المتوفى سنة 322هـ، صنف تفسيراً اسمه (جامع التأويل لمحكم التنزيل)، وهذا التفسير –فيما يبدو- هو الذي يعتمد عليه الفخر الرازي فيما ينقله في تفسيره من أقوال منسوبة لأبي مسلم. وقد جمعه بعض المؤلفين في كتاب مستقل سماه (تفسير أبي مسلم الأصفهاني). ومنهم القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني، المتوفى سنة 415هـ، وله كتاب (تنزيه القرآن عن المطاعن) ولكنه غير شامل لجميع آيات القرآن الكريم، وهو متداول. ومنهم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538هـ، وتفسيره الكشاف هو أشمل ما وصل إلينا من تفاسير المعتزلة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني التفسير عند الشيعة:

التعريف النشأة

1-التعريف

أ/التعريف اللغوي

يقول ابن دريد (المتوفى سنة 321ه‍): "فلان من شيعة فلان أي: ممن يرى رأيه، وشيعت الرجل على الأمر تشييعاً إذا أعنته عليه، وشايعت الرجل على الأمر مشايعة وشياعاً إذا مالأته عليه" [ابن دريد/ جمهرة اللغة: 3/63.].

وقال الأزهري (المتوفى سنة 370ه‍): "والشيعة أنصار الرجل وأتباعه وكل قوم اجتمعوا على أمرهم شيعة. والجماعة شيع وأشياع، والشيعة: قوم يهوون هوى عترة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويوالونهم.

وشيّعت النار تشييعاً إذا لقيت عليها ما تذكيها به، ويقال: شيعت فلاناً أي: خرجت معه لأودعه، ويقال: شيعنا شهر رمضان بست من شوال أي: أتبعناه بها.. وتقول العرب: آتيك غداً، أو شَيعَهُ أي: اليوم الذي يتبعه، والشيعة التي يتبع بعضهم بعضاً، والشيع الفرق الذي يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين" [الأزهري/ تهذيب اللغة: 3/61.].

وقال الجوهري (المتوفى سنة 40ه‍): "تشيّع الرجل أي: ادعى دعوى الشيعة، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شِيَع قال ذو الرُّمة: استحدث الركب عن أشياعهم خبراً [ديوان ذي الرمة ص: 4.].

يعني عن أصحابهم" [الصحاح: 3/1240، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.].

وقال ابن منظور (المتوفى سنة 711ه‍): "والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شِيَعٌ، وأشياع جمع الجمع، وأصل الشيعة: الفرقة من الناس، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكور والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي: عندهم، وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة.

والشيعة: قوم يرون رأي غيرهم، وتشايع القوم صاروا شيعاً، وشيّع الرجل إذا ادعى دعوى الشّيعة، وشايعه شياعاً وشيّعه تابعه، ويقال: فلان يشايعه على ذلك أي: يقويه" [لسان العرب: مادة: شيع.].

 ب/تعريف الشيعة اصطلاحاً

أ- تعريف الشيعة في كتب الإمامية الاثني عشرية:

1- يعرف شيخ الشيعة القمي [سعد بن عبد الله القمي، هو عند الشيعة جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصنيف، ثقة. من كتبه: الضياء في الإمامة، ومقالات الإمامية، توفي سنة (301ه‍) وقيل: (299ه‍).

انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 105، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/355.] (المتوفى سنة 301ه‍) الشيعة بقوله: هم شيعة علي بن أبي طالب [المقالات والفرق ص: 3.]. وفي موضع آخر يقول: "الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته" [المصدر السابق ص: 15.].

ويوافقه على هذا التعريف شيخهم "النوبختي" [الحسن بن موسى النوبختي: أبو محمد، متكلم، فيلسوف، قال الطوسي: كان إمامياً حسن الاعتقاد، له مصنفات كثيرة منها: كتاب الآراء والديانات. توفي بعد الثلاثمائة).

انظر في ترجمته: الطوسي/ الفهرست ص: 75، الأردبيلي/ جامع الرواة : 1/228، ابن النديم/ الفهرست ص177، القمي/ الكنى والألقاب: 1/148 ، معجم المؤلفين: 3/298، الذهبي/ سير أعلام النبلاء: 15/327.] حتى في الألفاظ نفسها [فرق الشيعة: ص 20، 17.].

مناقشة التعريف الأول :

هذا هو تعريف الشيعة في أهم كتب الشيعة وأقدمها الخاصة بالفرق. وهذا التعريف لا يشير إلى أي أصل من أصول التشيع عندا الاثني عشرية، والتي  تعتبر في نظرهم لب التشيع وأساسه؛ كمسألة النص على علي وولده وغيرها (باستثناء ذكره في الأخيرة لإمامة علي فقط بدون ذكر النص أو بقية الأئمة).

- والتعريف الذي يغفل أصول التشيع التي أحدثها الشيعة فيما بعد هو من التعاريف السليمة لشيعة علي - رضي الله عنه - أو للشيعة الحقيقيين، وهو يخرج مدعي التشيع من حظيرة التشيع، لأنهم أحدثوا أصولاً لم يقلها أئمة أهل البيت، لكنه حسب مقاييس الاثني عشرية لا يعتبر تعريفاً للشيعة مع أن القمي والنوبختي من الشيعة الاثني عشرية.

- وهذا التعريف يدعي وجود "شيعة علي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم" [ويسميهم فيقول: "منهم المقاداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر، ومن وافق مودته مودة علي، وهم أول من سمي باسم التشيع من هذه الأمة" المقالات والفرق ص: 15، فرق الشيعة ص: 18.]  ولا سند لهذه الدعوى من الكتاب والسنة، ووقائع التاريخ صادقة، والله سبحانه يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران، آية: 19.] لا التشيع ولا غيره، والصحابة كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم عصبة واحدة، وجماعة واحدة، وشيعة واحدة تشيعهم وولاؤهم لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

2- التعريف الثاني :

يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه المفيد [محمد بن محمد النعمان الكعبري الملقب بالمفيد، نال في زعمهم شرف مكاتبة مهديهم المنتظر، وله قريب من مائتي مصنف. قال الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة الضلال. هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه. ومات سنة (413ه‍). انظر في ترجمته: الطوسي/ الفهرست ص: 190، ابن النديم/ الفهرست، ص: 197، القمي/ الكنى والألقاب: 3/164، البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 356، وانظر: الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد: 3/231، ابن الجوزي/ المنتظم: 8/118.]، بأن لفظ الشيعة يطلق على".. أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء" [أوائل المقالات ص: 39.]. ثم ذكر أنه يدخل في هذا التعريف الإمامية والجارودية الزيدية، أما باقي فرق الزيدية فليسوا من الشيعة، ولا تشملهم سمة التشيع [أوائل المقالات ص: 39.].

مناقشة التعريف الثاني:

1- لا نجد في تعريف المفيد هذا ذكراً للإيمان بإمامة ولد علي، مع أن من لم يؤمن بهذا فليس من الشيعة عندهم، كما أن هذا التعريف أغفل التصريح ببعض الجوانب الأساسية في التشيع والتي يربط الشيعة وصف التشيع بها كمسألة النص، والعصمة وغيرها من أصول الإمامية.

2- يلاحظ أنه نص في تعريفه على: إخراج الفرق المعتدلة من الزيدية ولا يصدق وصف التشيع في نظره إلا على غلاة الزيدية وهم الجارودية [الجارودية: فرقة من فرق الزيدية وتنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الكوفي. قال عنه أبو حاتم: كان رافضياً، يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم... ومن مقالة الجارودية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على علي - رضي الله عنه - بالإشارة والوصف دون التسمية والتعيين، وأن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره...

انظر في أبي الجارود والجارودية: رجال الكشي ص: 151، 229، 230 (وهي ست روايات في ذمه تضمن بعضها كونه كذاباً كافراً، ومع ذلك فمفيدهم ينظمه في سلك التشيع، لأن التشيع في تعريفه هو هذا الغلو..) وانظر: الطوسي/ الفهرست ص: 192، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/339، القمي/ الكنى والألقاب: 1/30، وانظر: ابن حجر/ تهذيب التهذيب: 3/386. وراجع: القمي/ المقالات والفرق ص: 18، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 21، نشوان/ الحور العين ص: 156، المقريزي/ الخطط: 2/352، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/159، الملطي/ التنبيه والرد ص: 23، أحمد بن المرتضى/ المنية والأمل ص 20، 90، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 30، الرازي/ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص: 247، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/140.]، وليس ذلك فحسب، بل إنه فتح المجال في تعريفه لدخول الفرق الغالية كلها.

3- أما قوله في التعريف: "وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء" فهذا إشارة إلى أصل من أصول الاعتقاد عندهم وهو التقية، فعلي عند الشيعة في الظاهر تابع للخلفاء الثلاثة وفي الباطن متبوع لهم، فاتباعه للخلفاء - في نظر المفيد وشعيته - ليس على وجه الاقتداء وإنما على وجه التقية، وليس على وجه الاعتقاد وإنما على وجه الموافقة في الظاهر فقط.

4- أما قوله: "... بالاعتقاد بإمامة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل" فهذا مبني على إنكار الشيعة لصحة خلافة الخلفاء الثلاثة، وقد شرح مفيدهم هذه الجملة، وفصل القول فيها في كتاب آخر [وهو كتاب الإرشاد أحد المصادر المعتمدة عند الاثني عشرية "اعتمد عليه علماء الإمامية المتقدمين والمتأخرين، واعتبروه من أهم المصادر في موضوعه وأعاروه عناية فائقة وأهمية كبرى…" مقدمة الإرشاد ص: 7، وانظر في توثيقه عندهم: بحار الأنوار 1/27.] له؛ حيث قال: "وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة سنة منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر ممنوعاً من التصرف في أحكامها مستعملاً للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين [ورد في "معاني الأخبار" لشيخهم ابن بابويه القمي: أن المراد بالناكثين: الذين بايعوا بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة، والقاسطين: معاوية وأصحابه من أهل الشام، والمارقين: أصحاب النهروان. معاني الأخبار ص: 204.]، ومضطهداً بفتن الضالين، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة - كذا - سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً ومحبوساً هارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثم هاجر وأقام بعد الهجرة عشرة سنين مجاهداً للمشركين ممتحناً بالمنافقين إلى أن قبضه الله جل اسمه إليه، وأسكنه جنات النعيم" [الإرشاد ص: 12.].

فوصف التشيع لا يصدق - في نظر المفيد - إلا على من اعتقد خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ممتدة من حين التحاق الرسول بالرفيق الأعلى إلى أن توفي علي [ونجد شيخهم عبد الله شبر يؤكد في تعريفه للشيعة على هذا المعنى فيقول: "اعلم أن لفظ الشيعة يطلق على من قال بخلافة أمير المؤمنين - عليه السلام - بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل" (حق اليقين: 1/195).]، ولا صحة لخلاف الخلفاء الثلاثة، فلا يصدق - حسب تعريفه- وصف التشيع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ثلاثة من الصحابة، وباقي الصاحبة هم - في نظر الشيعة - كفار كالمشركين الذين عاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحكومة كافرة، وعلي يعيش بينهم متستراً بالتقية والنفاق [وسيأتي - إن شاء الله - ذكر شواهد ذلك في مبحث حكم منكر إمامة الاثني عشر.]، فأي إساءة إلى علي - رضي الله عنه - وإلى صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم وإلى الإسلام أبلغ من هذا؟!.

3- التعريف الثالث للشيعة:

وإذا كان المفيد لا ينص في تعريفه للتشيع على مسألة النص والوصية، فإننا نرى في شيخهم الطوس [أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي هو عندهم شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة (التي هي كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما: تهذيب الأحكام والاستبصار، توفي سنة (460ه) وكانت ولادته سنة (385ه).

راجع ترجمته لنفسه في الفهرست ص: 88-190، البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 293-304، القمي/ الكنى والألقاب: 2/357، وانظر: لسان الميزان لابن حجر: 5/135.] يربط وصف التشيع بالاعتقاد بكون علي إماماً للمسلمين بوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم وبإرادة من الله [تلخيص الشافي: 2/56.].

فالطوسي هنا يجعل الاعتقاد بالنص هو أساس التشيع، ولهذا يخرج الطوسي السليمانية [السليمانية: فرقة من فرق الزيدية تُنسب إلى سليمان بن جرير الزيدي، وهي تسمى بالسليمانية عند كثير من أصحاب الفرق (انظر: مقالات الإسلاميين: 1/143، اعتقادات فرق المسلمين ص: 78، الملل والنحل: 1/159، التبصير في الدين ص 17).

ومن أصحاب الفرق من يسميها بالجريرية (الحور العين ص 156، الخطط/ المقريزي: 2/325)، وقد نص صاحب الفرق بين الفرق أنها تسمى ب "السليمانية أو الجريرية". (الفرق بين الفرق ص 32)، ويسميها صاحب المنية والأمل أحياناً بالسليمانية ص: 90، وأحياناً بالجريرية ص: 90.] الزيدية من فرق الشيعة؛ لأنهم لا يقولون بالنص بل يقولون: إن الإمامة شورى، وإنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنها قد تصلح في المفضول.. ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر [الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/143.]، ولم يخرجوهم من دائرة التشيع فحسب، بل اعتبروهم "نواصب" [انظر: الطوسي/ التهذيب: 1/364، الحر العاملي/ الوسائل: 4/288.]. ولم يكتفوا بذلك، فقد جاء في رجال الكشي أن الزيدية شر من النواصب [انظر: رجال الكشي ص: 459.]، ويجري هذا الحكم من الاثني عشرية على كل فرق الزيدية التي تقول برأي السليمانية كالصالحية والبترية [الصالحية: أصحاب الحسن صالح بن حي.].

ويذهب بعض شيوخهم المعاصرين إلى ما ذهب إليه الطوسي، فيقصر وصف التشيع على من يؤمن بالنص على خلافة علي، فيقول بأن لفظ الشيعة: "علم من يؤمن بأن علياً هو الخليفة بنص النبي" [محمد جواد مغنية/ الشيعة في الميزان ص : 15.].

ويلاحظ أن مسألة النص هي محل اهتمام الشيعة البالغ في القديم والحديث؛ فنرى - مثلاً - في القديم شيخهم الكليني يعقد في كتابه الكافي ثلاثة عشر باباً في مسألة النص على الأئمة يضمنها مائة وتسعة أحاديث [انظر: أصول الكافي: 1/286-328.]، ونرى في الحاضر أحد الروافض يؤلف كتاباً في ستة عشر مجلداً في حديث من أحاديثهم التي يستدلون بها على ثبوت النص على علي وهو حديث "الغدير" [سيأتي ذكره وتخريجه ومناقشته عند ذكر أدلة الشيعة في مسألة الإمامة.]. ويسمي كتابه باسم الغدير [كتاب الغدير لشيخهم المعاصر عبد الحسين الأميني النجفي، وهو مليء بالأكاذيب والطامات والكفر البواح. انظر: مسألة التقريب بين السنة والشيعة للمؤلف ص: 66 وما بعدها.]، فلا غرابة في أن يربط الشيعة وصف التشيع بقضية النص، لكن اللافت للنظر أن هذا الاهتمام والمبالغة يسري في كل عقائدهم التي هي محل استنكار وتكذيب من جمهور المسلمين، فتراهم في كل عقيدة من هذه العقائد التي هذا شأنها، يجعلونها هي عمود التشيع وأساسه، ويبالغون في إثباتها، ولكن حينما يعرف شيوخهم التشيع لا يذكرون هذه العقائد في التعريف مع أنهم يعلقون الوصف بالتشيع بالإيمان بها، ولا تشيع بدونها؛ كمسألة الرجعة مثلاً، قالوا في أحاديثهم: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا" [ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 3/291، الحر العاملي/ وسائل الشيعة 7/438، تفسير الصافي 1/347، المجلس/ بحار الأنوار : 53/92.]. ومع ذلك لا ترى لها ذكراً في تعريف التشيع، وكذلك مسألة العصمة، والإيمان بخلاف ولد علي وغيرها، بل تجد هذه المبالغة حتى في مسائل الفقه وقضايا الفروع كمسألة المتعة، قالوا: "ليس منا من لم.. يستحل متعتنا" [المصادر السابقة (نفس الصفحات).]. فالقوم ليسوا على منهج واضح سليم في ذلك.

ويمكن أن نعطي تعريفا عام للشيعة فنقول:

جاءت عن أهل السُّنَة والشِّيَعة عدة تعريفات للشيعة، واختلفوا حول تحديد مفهوم يشمل الشِّيَعة بنشأتها وأصلها وفِرَقها، ومِن أجمع هذه التعريفات تعريف للإمام الشَّهْرِسْتَاني[1] يقول فيه: "الشِّيَعةُ هم الذين شايعوا عَلِيَّاً[2]على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصَّاً ووصيَّةً إما جلياً أو خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو تقية من عنده"[3].

2-      منهج التفسير عند الشيعة الإمامية

وللشيعة على اختلاف مذاهبهم آثار في تفسير القرآن الكريم، ولكن أكثرها أثراً فرقة الشيعة الاثنا عشرية، وهم الذين يقول كثير منهم بوقوع التحريف في القرآن الكريم، ويقولون بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ نصّ على إمامة علي _رضي الله عنه_ من بعده، وأن الإمامة انتقلت من علي _رضي الله عنه_ إلى ابنه الحسن _رضي الله عنه_ بالوصية من أبيه، ثم إلى الحسين، ثم إلى ابنه علي زين العابدين، ثم إلى ابنه محمد الباقر، ثم إلى ابنه جعفر الصادق، ثم خالفوا غيرهم من فرق الشيعة فقالوا بأن الإمامة انتقلت إلى ابنه موسى الكاظم ثم إلى ابنه.. وهكذا إلى الإمام الثاني عشر وهو محمد المهدي المنتظر، ويزعمون أنه سيخرج في آخر الزمان. وهؤلاء قد جاوزوا الحد في تقديسهم للأئمة، فزعموا أن الإمام له صلة روحية بالله _تعالى_ كصلة الأنبياء، وقالوا بأن الإيمان بالإمام جزء من الإيمان بالله، وأن من مات غير معتقد بالإمام فهو ميت على الكفر. وأشهر تعاليم الإمامية الاثنا عشرية أربعة: العصمة والمهدية والرجعة والتقية.
وإذا تتبعنا تراث الإمامية الاثنا عشرية في التفسير وجدنا لهم آثاراً كثيرة دُونت قديماً وحديثاً، وكلها يدور حول عقيدتهم.
ولأجل أن نوضح مدى تأثير العقيدة الإمامية الاثنا عشرية في اتجاههم في التفسير، ونعرف مدى انحراف هذا الاتجاه نذكر هذا المثال:

ففي كتاب (البرهان في تفسير القرآن) للسيد هاشم بن السيد سليمان الحسيني البحراني الكتكاني المتوفى سنة 1107هـ، نجد البحراني حينما يفسر قوله _تعالى_ من سورة المائدة: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" [المائدة : 55] يقول ما نصه: (إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم عبد الله بن سلام، وأسيد بن ثعلبة، وابن يامين، وابن صوريا، أتوا النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقالوا: يا نبي الله، إن موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ ومن ولينا من بعدك؟ فنزلت هذه الآية: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ..."، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: قوموا. فقاموا وأتوا المسجد فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، ما أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم هذا الخاتم. قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: راكعاً. فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم وكبّر أهل المسجد، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: علي بن أبي طالب وليكم بعدي. فقالوا: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد _صلى الله عليه وسلم_ نبياً وعلي بن أبي طالب ولياً. فأنزل الله _عز وجل_: "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" [المائدة : 56]، فروي أن عمر بن الخطاب قال: والله، لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع لينزل الله في ما نزل في علي بن أبي طالب عليه السلام فما نزل) انتهى من تفسير البحراني، ص 480.

ولسنا بحاجة إلى الإطالة في إبطال هذا الاتجاه بعد أن أثبت لنا علماء الحديث ونقاده أن كل الروايات في ولاية علي رضي الله عنه ليس لها أساس من الصحة، وأنها من وضع الشيعة أنفسهم ليروّجوا بها مذهبهم في الإمامة والأئمة، ثم ألا ترى معي أن ما ذكره البحراني في آخر روايته لحديث الولاية عن عمر فيه رائحة الكذب والافتراء! على أن الولاية -كما يسمونها- يُراد منها ولاية النصرة والمعونة لا ولاية التدبير والقيام على شأن الآخرين كما فهمها الإمامية. ثم ما الذي يصرف قوله _تعالى_: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ..." عن عمومه إلى خصوص علي _رضي الله عنه_؟! ولو كانت الآية نزلت في شأنه -كما يقولون- فإن المقرر الثابت أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ويظهر لنا (3) أن الإمامية الاثنا عشرية لم يجدوا في القرآن كل ما يساعدهم على أغراضهم وميولهم، فراحوا أولاً يدّعون أن القرآن له ظاهر وباطن بل بواطن كثيرة، وأن علم جميع القرآن عند الأئمة، ومنعوا الناس من القول في القرآن بغير سماع من أئمتهم. وراحوا ثانياً يدّعون أن القرآن كله أو جله وارد في أئمتهم ومواليهم وفي أعدائهم ومخالفيهم. وراحوا ثالثاً يدّعون أن القرآن حُرّف وبُدّل عما كان عليه زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_. ورابعاً أخذوا يموّهون على الناس ويغرون العامة بما وضعوه من أحاديث على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعلى أهل بيته، وطعنوا في الصحابة إلا نفراً قلياً منهم ورموهم بكل نقيصة في الدين ليجدوا من وراء ذلك ثغرة يخرجون منها عندما تأخذ بخناقهم الأحاديث الصحيحة التي يرويها هؤلاء الصحابة عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
ثم إنهم لما أحسوا بخطر موقفهم عندما جوزوا أن يكون للآية الواحدة أكثر من تفسير واحد مع التناقض بينها؛ أخذوا يموهون على العامة بأن قرروا ما أوجبوا اعتقاده على الناس ليصلوا إلى مخلص يتخلصون به من هذا المأزق، فقرروا الاعتقاد بأن الإمام مفوض من قبل الله في تفسير القرآن، وأنه مفوض في سياسة الأمة، والتقية، وكل واحدة من هذه الثلاثة يمكن أن يكون مخلصاً للخروج من التناقض في تفاسيرهم التي يروونها عن أئمتهم، فكون الإمام مفوضاً في التفسير مخلص؛ لأن باب التفويض واسع، وكونه مفوضاً في السياسة مخلص؛ لأن الإمام أعلم بالتنزيل والتأويل، والقول بالتقية مخلص أوسع من سابقيه؛ لأن الإمام له أن يسكت ولا يجيب.

ثم إن الشيعة لهم في الفقه وأصوله آراء خالفوا بها من سواهم، فالأدلة عندهم أربعة؛ وهي الكتاب ولهم فيه رأي سبق ذكره، والسنة وهم غير أمناء عليها ولا ملتزمين ما صح منها، والإجماع وليس بحجة بنفسه عندهم وإنما يكون حجة إذا دخل الإمام المعصوم في المجمعين، أو كان الإجماع كاشفاً عن رأيه في المسألة، أو كان الإجماع عن دليل معتبر فهو في الحقيقة داخل في الكتاب والسنة، والرابع العقل، ولا يدخل فيه القياس ولا الاستحسان ولا المصالح المرسلة لأن ذلك كله ليس حجة عندهم. ولهذا كان طبيعياً أن يقفوا من الآيات التي تتعلق بالفقه وأصوله موقفاً فيه تعصب وتعسف، ويتأولوا ما يعارضهم من الآيات والأحاديث، بل وجدناهم أحياناً يزيدون في القرآن ما ليس منه ويدّعون أنه قراءة أهل البيت، وهذا إمعان منهم في اللجاج، وإغراق في المخالفة والشذوذ.

هذا وللإمامية الاثنا عشرية في نصوص القرآن التي تتصل بمسائل علم الكلام نظرة تتفق إلى حد كبير مع نظرة المعتزلة، ولم يكن بينهم وبين المعتزلة خلاف إلا في مسائل قليلة، ويبدو أن هذا راجع إلى تتلمذ الكثير من شيوخ الشيعة وعلمائهم لبعض شيوخ المعتزلة، كما يظهر أن هذا الارتباط في التفكير قديم غير جديد، فالحسن العسكري، والشريف المرتضى، وأبو علي الطبرسي وغيرهم من قدماء الشيعة ينظرون هذه النظرة الاعتزالية في تفاسيرهم التي بأيدينا، بل إننا نجد الشريف المرتضى في أماليه يحاول محاولة جدية أن يجعل علياً رضي الله عنه معتزلياً أو رأس المعتزلة على الأصح، ولا شك أن هذه النظرات الاعتزالية كان لها أثر كبير في تفاسيرهم.

3-     أهم كتب التفسير عند الشيعة:

1- الميزان في تفسير القرآن ، السيد محمد حسين الطباطبائي

2- منة المنان في الدفاع عن القرآن ، السيد محمد محمد صادق الصدر

3- جوامع الجامع ، أبو علي الفضل الطبرسي

4- الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، الملا محسن

5- كنز الدقائق وبحر الغرائب ، محمد بن محمد رضا المشهدي

6- مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، السيد عبد الأعلى السبزواري

7- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

8- التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي

9- التفسير الكاشف ، الشيخ محمد جواد مغنية

10- البيان في تفسير القرآن ، السيد أبو القاسم الخوئي

11- التفسير المقارن ، الشيخ محمد باقر الناصري

12- تفسير فرات ، فرات بن إبراهيم الكوفي

13- تفسير القمي ، علي بن إبراهيم القمي

14- البرهان في تفسير القرآن ، السيد هاشم البحراني

15- نور الثقلين ، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

16- تفسير شبر ، السيد عبد الله شبر

17- مقتنيات الدرر وملتقطات الثمر ، مير سيد علي الحائري الطهراني

18- الجديد في تفسير القرآن ، الشيخ محمد السبزواري

19- مجمع البيان في تفسير القرآن ، أبو علي الفضل الطبرسي

20- تفسير القرآن الكريم ، صدر المتألهين

21- البرهان في تفسير القرآن ، السيد هاشم البحراني

22- من وحي القرآن ، السيد محمد حسين فضل الله

                        


إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)
12/sidebar/التفسير