مطبوعة التفسير الموضوعي

 

التفسير الموضوعي

للدكتور رياض ابن صالح  عميراوي

المدرس بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية

بالجزائر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمات ومفاهيم حول منهج التفسير الموضوعي

الفصل الأول

ضبط المفاهيم وتحديد المصطلحات في معنى المنهجية والتفسير الموضوعي

        تعريف التفسير الموضوعي.

تعريف التفسير: لغة واصطلاحا

تعريف الموضوع: لغة واصطلاحا

          تعريف المنهجية العلمية لغة واصطلاحا

تعريف المركب: التفسير الموضوعي

الفصل الثاني

ألوان التفسير الموضوعي وأهميته، قواعده

أهمية التفسير الموضوعي.

                                               أنواع التفسير الموضوعي

        قواعد التفسير الموضوعي وضوابطه.

 

 

 

 

 

 

 

تمهيد:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئآت أعمالنا،  وبعد:

هذه فصول في معرفة منهج التفسير الموضوعي وخباياه مقدمة للمختصين وطلبة العلم نستعرض فيها بعض مفاهيم ومصطلحات هذا المنهج التفسيري الحديث لنعطي صورة أو لمحة حول هذه المادة خاصة وأنه نشأ بعض الاختلاف في وجهات النظر في تعريف هذا المنهج، فبعضهم عرفه باعتبار خطواته، مثل تعريف مصطفى مسلم، وبعضهم عرفه باعتبار الموضوع، كما فعل باقر الصدر..وربما بعضهم قال بثلاثة أنواع من التفسير الموضوعي  وآخرون أسقطوا لونا من ألوانه ...وهي تعاريف تدور حول شيء  واحد بعضها شامل تضمن جميع ألوات التفسير الموضوعي بما فيه الموضوع القراني للقران الكريم كله،  وبعضهم اقتصر على بعضها فقط. ولهذا تباينت تعاريفهم، بين عام وخاص وشامل ومقتصر، وامتد الاختلاف أيضا الى  خطوات كل نوع منه بين مضيق وموسع ومختصر ومفصل...وهذه اشكالات  لا بد من التصدي لها حتى نرسي دعائم هذا الموضوع على أسس متينة دقيقة واضحة المعالم لكي نقدمه الى الطلبة والباحثين ليطبقوه في أبحاثهم ودراساتهم القرانية على أكمل وجه،  وحتى يؤتي أكله بإذن الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

ضبط المفاهيم وتحديد الاصطلاحات في منهج التفسير الموضوعي

تعريف منهج التفسير الموضوعي

  لتعريف التفسير الموضوعي ينبغي أن نتعرض لتفسير لفظتي هذا المركب، المكون من لفظة "التفسير" ولفظة "الموضوعي"، فنبدأ أولا بتعريف مادة "فسر" في اللغة ثم في الاصطلاح، وبعد ذلك نتعرض لمادة "موضوع"، لنعود بعد ذلك فنعرّف هذا المركب اللفظي كعَلم على علم مخصوص، وفن مدون.

أولا: التفسير

لغة: التفسير في اللغة هو تفعيل من الفِسْر؛ الذي هو الكشف والبيان، وفسَّر الشيءيفسّره بالكسر، ويفْسُره بالضم فَسْرًا، يعني: أبانه، والتفسير كشْفُ المراد عن اللفظ المبهم[1]، وقال الأزهريُّ: الفَسْرُ: «كشف ما غُطّْيَ، وهو بيان وتفصيل للكتاب [العزيز]... والتَفْسِرَةُ: اسم للبول الذي ينظر فيه الأطباء يستدلون بلونه على عِلَّةِ العليل، وكل شيء يُعرفُ به تفسير الشيء ومعناه، فهو تفسرته، وقول الله تعالى: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسيرًا﴾[2]، وقال بعضهم: التفسير: «كشف المراد عن اللفظ المشكل»[3]، وفَسَرَ وسَفَرَ لغة واحدة، أي إشتقاقهما واحد، ومعناهما الكشف، قال الجوهريُّ: «... وسَفَرَتِ المرأة: كشفت عن وجهها، فهي سافرٌ، ومَسَافِرُ الوجه: ما يظهر منه... وأسفر الصبح، أي أضاء، وفي الحديث: أسفروا بالفجر، فإنَّهُ أعظم للأجر[4]..وأسفر وجهه حُسنًا، أي أشرق»[5].

وجميعهم متفقون على أن أصل التفسير الكشف والبيان.

اصطلاحا: لقد تفاوتت التعريفات الاصطلاحية لهذا اللفظ بسبب اختلاف العلماء في تحديد ما يندرج تحته من مدلول ومعنى، ومقصد، فبعضهم يقول: هو علم يُعرف به نزول الآيات، وشؤونها وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيُّها، ومدنيُّها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وأمثالها وغيرها[6]

وقد جمع هذا التعريف كل ما يتعلق بعلوم القرآن، وتناول مختلف الدراسات القرآنية.

وهناك من يقول: «هو علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك[7]، وقصد بذلك عدة علوم كالقراءات، ومعاني الألفاظ، والنحو، والصرف، والبيان، والبديع، وهذا يُفهم من خلال قوله: «كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها التركيبية والافرادية»، والمجاز من خلال قوله: «ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب»، وقصد أيضا علم أسباب النزول والمبهم،...وغيره، وهذا يُفهم من قوله: «وتتمات ذلك»، وهو كل ما يتعلق بما جاء في كتاب الله من متشابه ومحكم وقصص...وغيره.

  وأما الزركشي فيعرّف التفسير بقوله: «التفسير:علم........... »[8]، وهو الكشف عن مراد الله بقدر الطاقة البشرية.

  وهذا الأخير تعريف عام، يفهم منه أن التفسير هو الجهد الذي يبذله المفسر، للكشف عن مراد الله تعالى من خلال خطاب الله المتعلق بأفعال العباد، بقدر استطاعته، وبقدر ما آتاه الله من علم، وبما فتح الله به عليه من فهم.

ثانيا: الموضوع

لغة: فهو في الأصل مصدر ميمي لفعل وضع، يقال في اللغة وضعه يضعه وضعا وموضعا وموضوعا، بمعنى حطّه، ويقال ذلك في الحمل والحمل -بفتح وكسر الحاء- فيقال: وضعت الحمل فهو موضوع، قال I: ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ[9] وقولهY: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ[10]، فهذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق. ووضْعُ البيت: بناؤه، قال U:﴿إِّن أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ[11]ووضعت الدابة، أسرعت، وتضع في سيرها: تُسرع، ودابة حسنة الموضوع سريعة، وأوضعتها: حملتها على الإسراع[12]، والإبل ألزمتها المرعى فهي موضوعة[13].

والموضوع أيضا مــن الـوضـع؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان، تقول العرب: ناقة واضعة: إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده[14].

وهذه لفظة غنية المعاني، حقيقية ومجازية، وهي لا تستعمل في الاستعمال الذي نقصده لأنها مصطلح حديث شاع حتى أصبح حقيقة عرفية على القضية العلمية.

إصطلاحا:

جاء في المعجم الوسيط:«الموضوع هو المادة التي يبني عليها المتكلم أو الكاتب كلامه»[15]، وهو محل العرض المختص به، وموضوع كل علم: ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، كبدن الإنسان لعلم الطب، وكالكلمات لعلم النحو[16].

    ويعرّفه آخرون بأنه قضية، أو أمر متعلق بجانب من جوانب الحياة، في العقيدة أو السلوك الاجتماعي، أو مظهرا من مظاهر الكون، تعرَّضت لها آيات القرآن الكريم[17]، وإضافة (تفسير) إلى (موضوعي): صارت علما على هذا الفن، بعد أن رُكبت معها وصارت كلمة واحدة، كما هو الشأن في اسم (معد يكرب)، أو (حضرموت)، أو (سيبويه)، فتنوسيت تلك الإضافة مع مرور الزمن، وصارت كأنها كلمة واحدة لها معنًا خاصًا بها.

رابعا: مفهوم المنهج والمنهجية:  إن الحديث عن البحث العلمي لا يمر إلا من خلال قناة الحديث عن المنهج العلمي، حيث مهما كان موضوع البحث، فإن قيمة النتائج تتوقف على قيمة المناهج المستخدمة.

تعريف المنهج :لغويا نقصد به الطريق أو المسلك، أما اصطلاحا فقد عرف معني ومفاهيم عديدة ومتنوعة، حيث يعرفه عبد الرحمن بدوي بأنه " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة."

وهناك من يرى أن كلمة منهج تعني " عدة أدوات استقصائية تستعمل في استخراج المعلومات من مصادرها الأصلية والثانوية، البشرية والمادية، البيئية والفكرية، تنظم بشكل مترابط ومنسق لكي تفسر وتشرح و تحلل ويعلق عليها."

و من جهته يحدد عامر مصباح معنى المنهج بأنه " مجموعة الخطوات العلمية الواضحة و الدقيقة التي يسلكها الباحث في مناقشة أو معالجة ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو إعلامية معينة."

   أما تعريف التفسير الموضوعي كمركب إضافي فهو: عبارة عن منهج جديد يُتناول به تفسير القرآن الكريم، بطريقة سهلة ميسورة تخدم المقبلين على كتاب الله، فتمكنهم من فهم القرآن الكريم فهما دقيقا كاملا، وهو «عبارة عن جمع الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد، مشتركة في الهدف، وترتيبها على حسب النزول-كلما أمكن ذلك- ثم تناوُلها بالشرح والتفصيل، وبيان حكمة الشارع في شرعه وقوانينه، مع الإحاطة التامة بكل جوانب الموضوع كما ورد في القرآن الكريم، والدب[18] عما يمكن أن يكون قد أثير حوله من شُبَه الضالين والملحدين من أعداء الدين»[19]، وقيل: هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر[20].

   وقيل: هو علم يبحث في قضايا القرآن المتحدة معنى وغاية عن طريق جمع آياتها المتفرقة، والنظر فيها على هيئة مخصوصة بشروط مخصوصة لبيان معناها، واستخراج عناصرها، وربطها برباط جامع[21]، وكل هذه التعاريف متقاربة بعضها لبعض، إذ تصب في معنى واحد، فبعضهم عرّف التفسير الموضوعي باعتباره علما على فن مدون، وبعضهم عرفة على اعتبار أنه مركب وصفي، ولعل كل هذه التعاريف تخدم بعضها بعضا وتتم المعنى المطلوب.

ولعلي أسهم بتعريف آخر قد يكون أشمل وأعم لألوان التفسير الموضوعي الثلاثة وهو: "دراسة منهجية يبحث فيها عن مواضيع أو ألفاظ قرآنية من خلال سورة أو مجموعة آيات مشتركة في المعنى للخروج بتصور عام لموضوع أو نظرية تخدم الواقع الانساني وتسهل الدرس القرآني".

الفصل الثاني

منهج التفسير الموضوعي ألوانه وأهميته، قواعده

أهمية التفسير الموضوعي:

   أخد التفسير في العصر الحديث اتجاهات متعددة ومناهج متنوعة، بعضها يساير ما كان عند القدامى ويعتبر امتدادا له، وبعضها لم يكن له عند القدامى قسمات واضحة، وإنما هو لون تعروه جدة في إطاره، وبعض مضامينه، وإن كان لا يخلو من أثر يمكن نسبته إلى جهود القدماء، ولقد اجتهد المعاصرون في البحث عن طرق وسبل تيسّر لهم فهم القرآن الكريم، وضوابط وقواعد جديدة تُمكن المفسر من خوض غمار هذا الكتاب العظيم، وهذا بسبب التقدم والتطور الذي عرفته البشرية.

  يقول الدكتور محي الدين بلتاجي في هذا الشأن: «والواقع أن الحياة الانسانية قد تغيرت معالمها ومعارفها تغيرا كبيرا منذ بدأ التأليف في التفسير عند القدامى، بمساراتهم التي ارتضوها حتى هذا القرن الذي نعيشه، والذي تشكلت في مطلعه حضارة مادية أظلت حياة الناس، تغلب عليها النظرة العلمية، وتوجه الكثير من اتجاهات الفكر فيها... ومما لاشك فيه أن كثيرا من القضايا التي عرض لها القدامى من المفسرين، لم تعد تساير العصر، لأنها ليست من معطياته الفكرية في شيء، ومن هنا اتجه الكثير من المحدثين إلى التفسير، وهم يحاولون الربط بين ما جدَّ في حياتهم من قضايا وبين كتابهم»[22]

   ويقول الدكتور يوسف القاسم: «ممَّا لا شك فيه أن هذا النوع من تفسير القرآن الكريم نحن في أشد الحاجة إليه، وخصوصا في هذا العصر الذي تقدمت فيه العلوم والمعارف، وتغيرت العادات والتقاليد عما كانت عليه من قبل، وأصبحنا في حاجة ماسة إلى عرض أعمالنا على القرآن والسنة الشريفة وعمل السلف الصالح، فما وافق أخذنا به وما لا يوافق طرحناه وراء ظهورنا»[23].

   وإن تقسيم القرآن إلى مواضيع معينة وتفسيرها، هي الطريقة المثلى في الكشف عن خبايا هذا الكتاب، من تشريعات، وقواعد، وسلوك حميد، وكل ما من شأنه يفيد الناس في حياتهم، وما يتعلق بسلوكهم، وهذا ما يشعرنا بما للقرآن من صلة وثيقة بنظامنا الديني، والاجتماعي، والأخلاقي.

   كما أن أهمية هذا المنهج تكمن في التصدي لمبادئ الشيوعية والإلحاد وبعض المادية، خاصة وأنها تدعي إطلاق الحرية، وتتهم الآباء بالغفلة والرجعية، وذلك من خلال إبراز مواضيع القرآن الكريم بصورة علمية جديدة، وبشكل يخدم القضايا المعاصرة، ويطرح الموضوع من جوانبه المختلفة، لتكتمل الصورة، وتقوم الحجة، على كل من يدعي فهم الحياة وحقيقة الإنسان، ليزداد الذين آمنوا إيمانا، وليستيقن من كان في قلبه ريب.

  كما تتجلى أهمية هذا المنهج في إبراز وجه من أوجه إعجاز هذا الكتاب المحكم المرتب ترتيبا يوحي بأنه من عند حكيم حميد، لا سيما إذا كانت أسباب النزول متعددة، وأزمنة النزول متباعدة، حيث يظهر ذلك من خلال جمع الآيات، وصبها في موضوع واحد، كما هو الشأن في هذا المنهج من التفسير.

  ويرى الأستاذ أحمد رحماني أن أهمية التفسير الموضوعي تكمن في تحديده موضوع معين، وهو تتمة لرسالة الفقهاء[24].

ويمكن تلخيص أهمية هذا المنهج في الأمور التالية:

الأول: إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة -من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري- وجدها المفسر جلية في آيات القرآن، لا لبس فيها ولا غموض، بعد تتبع مواطن ذكرها فيه، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.

الثاني: التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أعلى، وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه، أو تقصير منه، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن، أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته، ونورد ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.

الثالث: إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، إذ عندما نجابه بنظرة جديدة، أو علم مستحدث، فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم، وتلك النظرية، وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب، إلا عن طريق تتبع آيات القرآن، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.

وإن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة، يمكّن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.

الرابع: إثـراء المعلومات حول قضية معينة، فغالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث، ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع، ومزيد من الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.

الخامس: تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها: لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافـراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فـقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.

وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل، وإعادة تقويم، كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليـه في القرآن الكريم، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..[25]

ألوان التفسير الموضوعي:

من خلال استعراضنا لبعض ما أُلّف في هذا المنهج، ومن خلال ما نلحظه في التفاسير القديمة والحديثة، وما كُتب في التنظير لهذا المنهج نستنتج ثلاثة أنواع من ألوان التفسير الموضوعي.

اللون الأول: التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني

 وهو ما يُعرف بالتفسير الموضوعي للَّفظة القرآنية، وطريقته أن يتتبع الباحث لفظة معينة من القرآن الكريم، كالعقيدة، أو الحب، أو الأمانة، أو الجهاد، أو النفاق...، فيجمع لها الآيات التي وردت فيها هذه اللفظة من القرآن الكريم كله، سواء بلفظها أو بمشتقاتها، ثم يعهد الباحث إلى تفسير هذه الآيات، مستنبطا من خلالها دلالات تلك اللفظة، واشتققاتها من خلال استعمال القرآن لها، فتكتمل بذلك الصورة، حيث يُطلعنا ذلك على أساليب القرآن الكريم في تعامله مع الألفاظ، واستخدامها في الموضع الأليق بها، دون تقديم أو تأخير.

وهذا اللون من التفسير الموضوعي أشبه بما في بعض الدراسات السابقة، كالأشباه والنظائر، وغريب القرآن، وغيرها.

   وقد أورد الدكتور مصطفى مسلم بعض النماذج من هذا اللون من التفسير، نكتفي بذكر أنموذجا واحدا لإيفائه بالغرض، حيث جاء في كتابه: "مباحث في التفسير الموضوعي" تحت عنوان نموذج من كتاب: "إصلاح الوجوه والنظائر" للدامغاني، ما يلي: «قال الدامغاني تحت مادة: (خ ي ر)، (خير) على ثمانية أوجه:

المال، الإيمان، الإسلام، التفضيل، العافية، الأجر، الطعام، الظفر والغنيمة.

-                    فمعنى المال جاء في قوله تعالى: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾[26].

-                    وبمعنى الإيمان جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمِ﴾[27].

-                    وبمعنى الإسلام جاء في قوله تعالى: ﴿مَا يَودُّ الذِّينَ كَفَرُوُا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتاَبِ وَالمُشْرِكيَن أَنَ يُنَزَّلَ علَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[28].

-                    وبمعنى أفضل جاء في قوله تعالى: ﴿وقُلْ ربِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ﴾[29].

-                    وبمعنى العافية جاء في قوله تعالى: ﴿وإِنْ يَمْسسْكَ بِخَيْرٍ فهُو عَلىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرْ﴾[30].

-                    وبمعنى الأجر في قوله تعالى: ﴿لكُم ْفيهَا خَيْرْ﴾[31].

-                    وبمعنى الطعام في قوله تعالى: ﴿قاَلَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ منْ خَيْرٍ فَقِيرٍ﴾7.

-                    وبمعنى الظفر والغنيمة، جاء في قوله تعالى: ﴿َوَرَدّ اللهُ الذِّينََ كَفَرُوا بِغَيْضِهِمْ لَمْ َيَنَالُوُا خَيْرًا﴾[32]»[33].

وهذه الأمثلة التي سقناها من القرآن ليست وحدها التي جاء فيها الخير بهذه المعاني بل هناك آيات أخرى أعرضنا عن ذكرها لعدم التطويل.

اللون الثاني: التفسير الموضوعي للموضوع القرآني

  ويسمى التفسير الموضوعي التجميعي، ويعرف أيضا باسم التفسير الموضوعي لموضوع قرآني، حيث يختار الباحث موضوعا له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك... مما يتعلق بأمور الناس، ويفيد البشر جميعا، وخاصة المسلمين في حياتهم، ويشكل منه موضوعا يدرسه على ضوء القرآن الكريم من خلال آياته، ويخرج بعد ذلك بخلاصة تساعد في فهم جوانب الموضوع، وتعطي حلولا للمشاكل المطروحة.

  وهذا اللون هو الذي اشتهر بين أهل الاختصاص، وإذا ما أطلق اسم التفسير الموضوعي، فلا يكاد ينصرف الذهن إلاّ إليه[34].

  وفيه أن يقوم الباحث بجمع آيات تصب في موضوع واحد، ويقوم بتفسيرها على ضوء ما تسمح به ثقافته، ثم ينسق بين معاني هذه الآيات، ويقسمها إلى مقدمة، وصلب، وخاتمة، ويربط كل ذلك، بالواقع الذي انطلق منه، ليعود في الأخير إلى استخلاص قواعد وحلول شاملة للمشكل المدروس.

  وقد ألّف في مثل هذا النوع العلماء السابقون، إذ يجمعون الآيات المشتركات في شيء واحد مثل الأمثال في القرآن، أو الآيات التي اشتملت على الأحكام، أو ما جاء في الناسخ والمنسوخ، أو غير ذلك مما له رابط بعضه ببعض، ولكنهم أوردوها ليقفوا على ما فيها، فلم يربطوا بينها ليستخلصوا موضوعا واحدا بالصورة التي نعهدها اليوم في هذا المنهج، ولم يتجاوزوا الحديث عن مدلولات ومعاني تلك الآيات واستخلاص مسائل جزئية، فضلا عن تقسيمهم لتلك المجموعات من الآيات، لتشكل مقدمة وصلب موضوع، وخاتمة، بل جمعت بطريق آخر ورتبت إما ترتيبا مصحفيا، أو بحسب المتقدم منها والمتأخر، لتخدم الغرض الذي جمعوا من أجله تلك الآيات.

  ولعل كثيرا من المؤلفين في هذا العصر قد دأب على هذا الطريق، فكتبوا في هذا النوع، خاصة بعض الباحثين من طلاب في رسائلهم الجامعية، وهي مواضيع منتشرة في المجلات والدوريات، مثل "حقوق الإنسان في القرآن"، و"العِرض في القرآن"...وغيرها، وقد خطا هذا النوع خطوات لا بأس بها، وهو في طريق النمو، والإزدهار.

اللون الثالث: التفسير الموضوعي الكشفي

   وهو التفسير الموضوعي الكشفي، ويسمى أيضا التفسير الموضوعي للسورة القرآنية، أو الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، والذي نتعرض له بالتفصيل في المبحث القادم، وهو أن يختار الباحث سورة من القرآن تكون مدار بحثه، ويخرج منها بدراسة موضوعية متكاملة، كما فعل باقر الصدر عندما تناول سورة البقرة، وسورة هود، ويونس، وسنذكر بعض من ألَّفَ في هذا النوع في الحديث عن الوحدة الموضوعية ونشأتها.

   وهذا اللون من التفسير الموضوعي لا يتجاوز السورة الواحدة من القرآن، وطريقته أن يستوعب الباحث الموضوع الرئيس للسورة، وكذا مواضيعها الجزئية، مستعينا في ذلك بعدة أمور، مثل ترتيب النزول، وأسبابه، وهل تلك الآيات مكية أو مدنية، مع دراسة لأسلوب القرآن في تناول ذلك الموضوع، مع التركيز على كشف ذلك الرابط الذي يجمع تلك الموضوعات الجزئية، وإبراز علاقتها بالموضوع الرئيس للسورة، لتفسر تلك المجموعات وتلك المقاطع من الآيات بصورة عامة متكاملة، بعد تقسيمها وترتيبها بحسب ما يقتضيه الموضوع، على أساس أن يخرج المفسر بعد الدراسة بإحاطة وافية للموضوع، وإلمام تام بجوانبه، في شكل خلاصة يسهل فهمها، والأخذ بها.

  وقد شح هذا اللون من التفسير في كتب القدماء، كما يخبرنا بذلك الدكتور مصطفى مسلم فيقول: «ولم يظفر هذا اللون من التفسير الموضوعي بعناية القدماء، بل جاء في ثنايا تفاسيرهم الإشارة إلى بعض أهداف السور، وخاصة القصيرة منها، وكذلك التوخي لوجه المناسبة بين مقاطع بعض السور، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وما فعله البقاعي في "نظم الدرر"، وعبد الحميد الفراهي في كتابه: "نظام القرآن"»[35].

وهناك نوع آخر من التفسير الموضوعي للقرآن الكريم متكاملا، حيث تتضافر جهود عدد من الطلبة للبحث في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، وإخراجه في صورة واقعية إلى حيز الوجود، وهي فكرة طيبة تحتاج إلى من يتبناها، ويدعمها ويحوطها بالعناية، لتثمر وتزهر وتكون لبنة تضاف إلى هذا المجال، كما قال الأستاذ باقر الصدر في مقدمات التفسير.

قواعد وضوابط التفسير الموضوعي:

   لقد توسع المفسرون القدماء توسعا كبيرا في عرض القضايا النحوية والصرفية، وحشوا تفاسيرهم بالعديد من المسائل التي أثقلت التفسير، بحيث تجعل القارئ يتخبط في خضم هذه الآراء والتحليلات، والمناقشات الفقهية....  

    كما أنهم قد حشوا كتبهم بإسرائيليات نقلوها عن أهل الكتاب، إستنادا لرخصة النبيr، القائل في حديثه الشريف: "خذوا على بني إسرائيل ولا حرج"[36]، فعجّت مؤلفاتهم بتلك القصص والروايات والأساطير التي أفسدت المعنى ووضعت بينه وبين المعنى الحقيقي كثيف الحجاب.

   وما زاد الطين بلة تلك التفاسير المشوبة ببعض الأحاديث الموضوعة، وتلك الروايات الضعيفة المزعوم صحتها عن رسول اللهr، والتي كثيرا ما تحيدنا عن المعنى الحقيقي لفهم القرآن الكريم.

  لكل ذلك بات من الضروري البحث عن منهج ينقي ويصفي التفسير من الشوائب التي علقت به عبر الزمان، وحالت دون إبراز بعض المعاني القرآنية السامية، والتي تحمل في طيّاتها هدايات للبشر، فحاول العلماء وضع ضوابط وقواعد تعصم من كل ذلك، فاجتهدوا في إرساء بعض قواعد منهج التفسير الموضوعي، نذكر منها:

-             وضع خطة منهجية تتحكم في سير التفسير، بحيث لا يخرج المفسر عنها وهو ملزم باتّباع خطواتها، وهي تلك الأطر العامة، وذلك الطريق المتسلسل المتين، الذي ينطلق من مقدمات علمية صحيحة، مستدلا على ما يعرض من تفسير من الكتاب نفسه، ومما صح عن رسول اللهr، وعما اجتمعت عليه الأمة وتعارف عليه المسلمون مند بداية النزول إلى يومنا هذا، ليخلص بعد ذلك إلى نتائج حقيقية مرضية، ولأن النتائج مربوطة بمقدمات، فإن صحت المقدمات، وصح الاستدلال، صحت لزوما النتائج.

-             العمل على ربط معاني القرآن بما ورد في السنّة الشريفة، والعمل على التخلص من الروايات الضعيفة الواهية المنكرة، حيث أن الحديث الشريف يساعد على ترجيح بعض مدلولات، سيقت لها الألفاظ التي تحمل أكثر من معنى .

-             مراعاة القراءات التي تمكّن المفسر من اختيار بعض الوجوه المحتملة وترجيحها على بعض، لأن القرآن الكريم له عدة قراءات صحيحة متواترة، وهي متلاقية في معانيها، مقتربة في مدلولاتها، وربما تكمل الأخرى قرينتها، أو توجهها في المعنى، مثل ما جاء في آية الوضوء من سورة المائدة[37]، حيث قرأت كلمة "أرجلكم" بالفتح وبالضم، فعطفت الأولى على الغسل، وعطفت الثانية على المسح، فشرع بذلك غسل الرجلين، وكذا مسحهما. وما جاء في قوله تعالى: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ﴾[38]، فقُرأت بإثبات الألف وطرحها، أي "لامستم" و"لمستم" فالأول كناية على الجماع، والثانية على اللمس فقط[39].

-             التخلص من الإسرائيليات، والتقليل منها، إلاّ عند الضرورة، ولا تكون إلا فيما وافق القرآن والسنة، وفي حيز ضيِّق جدا، كوصف جلد بقرة، أو اسم كلب، أو قرية قد اندثرت، أو شيء من هذا القبيل، والذي لا يمد إلى المعنى بصلة، ولا يمس بقدسية هذا الكتاب ومعانيه الشريفة.

-  معرفة أسباب النزول والمكي منها والمدني، ومعرفته عون على فهم النص القرآني وجو التنزيل، إذ به تترجح كثير من المعاني، وتتضح أفهام جديدة للمفسر على ضوء ما يستخلصه من أسلوب الخطاب المستعمل في فترات زمنية معينة متباينة فيما بينها، وفي أماكن مختلفة، وربطها بحوادث ومناسبات وربما بأشخاص معينين، فقد يصرح بهم القرآن الكريم، وقد يبهمهم، كما حدث مع الملك بن مروان حينما استشكل عليه فهم قوله تعالى من سورة آل عمران: ﴿ولاَ يَحْسِبَّنَ الْذِّينَ يَفْرَحُونَ بمَا أُتُوا وَيحُِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بمَا لَمْ يَفْعَلوُا...﴾[40] فقال له ابن عباسt أنها نزلت في أهل الكتاب. ومثل هذا كثير في القرآن.

-             معرفة الناسخ والمنسوخ، وتقتضي معرفته معرفة المتقدم في النزول من المتأخر، لكيلا يقع المفسر أو المفتي مأزق الإفتاء بنص منسوخ، فيَضل ويُضل، كأن يفتي بإمساك زوجة جاءت بفاحشة مبينة في بيتها حتى يدركها الموت، أو يجعل الله لها سبيلا، وهو لا يدري أنها نسخت بآية اللعان.

-             معرفة القصص القرآني؛ إذ أن التفصيل في القصص التي جاءت في القرآن مجملة، قد يعين المفسر على ترجيح رأي على رأي، لأنه يعطي للمفسر صورة متكاملة حول جزئيات القصة، ويجعله يعيش ذلك الجو الذي تصوره تلك الأحداث الدائرة في فلك القصة، فتمكنه من استخراج هداياتها، واستنباط عضاتها، وعبرها، المنبثة في ثنايا جزئياتها، والتي تعود بالفائدة على المتدبر والتالي لكتاب الله، إضافة إلى استمتاع القارئ لهذه القصة وتفسيرها بتلك المشاهد التي تصورها من خلال جزئياتها، فتبقى متعلقة بذهنه، وتؤثر في نفسه، كلما ذُكرت هزت نفسه، وحركت مشاعره، وزادت في ورعه وتقواه.

هذه أهم ضوابط منهج التفسير الموضوعي بصورة عامة كما نراها، وأمّا من كان له الفضل في تفصيل هذه القواعد، فهو الشيخ حبنكة الميداني بدون منافس، حيث يذكر في كتابه: "قواعد التدبر الأمل لكتاب الله" حوالي أربعين قاعدة كلها تصب في هذا المعنى من التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وهي قواعد شملت في تقديرنا جميع ما يحتاج إليه هذا المنهج من الحيلولة دون وقوع المفسر في الزلل والخطأ، فضلا عن توضيح وتجلية المعنى المراد من آيات الكتاب العزيز، بل إن الشيخ في اعتقادنا لم يترك شاردة ولا واردة إلا أشار إليها، فكان كتابه بحق جامعا مانعا لهذه الضوابط والقواعد، التي تنتظر من يأخذ بها ويطبقها، بل يحثنا صراحة على ذلك فيقول: «وفي هذه الرسالة كتبت هذه القواعد، وشرحتها بالأمثلة، وقد أكون في بعضها مسبوقا إلى كتابته أو الإشارة إليه، وقد يكون بعض المفسرين قد وضع في تصوره مراعاة بعضها، إلا أنني لم أجد من راعاها كلها مراعاة تامة في كل ما تدبر من كلام الله، كما أن بعض هذه القواعد لم يحظ بعناية أحد من المفسرين، وأمام الباحثين المتدربين لكتاب الله طريق طويلة، قد لا يصلون إلى غايتها مهما بذلوا من جهد وكد، إلا أنهم - من دون شك - سيكتشفون بالبحث كنوزا عظيمة من هذا التنزيل الرباني العظيم»[41] ولا بأس أن نشير إلى بعض هذه القواعد على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر:

   إن أول قاعدة تناولها هذا الكتاب هي مراعاة ارتباط الجملة القرآنية بموضوع السورة، وارتباطها الموضوعي بما تفرق في القرآن المجيد[42]، وهي قاعدة نلمسها في محاولات بعض المفسرين في كشف تلك الروابط والمناسبات بين الآيات والسور، وبين مقاطع السورة كما هو الشأن في تفسير سعيد حوى، وتفسير عبد الله دراز، وضرب لهذه القاعدة أمثلة من القرآن ليستدل على صحة ما يذهب إليه، وأورد في القاعدة الثانية حديثا يدور حول الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، حيث سمّاها: وحدة موضوع السورة القرآنية[43]، وضرب لذلك أمثلة بسورة الرعد، وسورة العلق، والقيامة، وجاء حديثه في القاعدة الرابعة عن بيئة نزول النص البشرية، والمكانية، والنفسية، والفكرية، والفردية، والاجتماعية[44]، وهي أبعاد متعلقة بجو النزول وأسبابه، ويختم هذه القواعد بما أوردنا سابقا عن القراءات، ويحددها في القراءات العشر، ويعني بها مراعاة القراءات المتواترة، مستدلا على كل قاعدة يذكرها في الكتاب بأمثلة من القرآن الكريم، يسرد نماذج ومقاطع لبعض التفسيرات التي تصب في الموضوع المطروح، وتخدم المعنى المقصود، وفيما ذكرنا من القواعد والضوابط كفاية، والله المستعان.



[1] - لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، تحقيق: عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2003م/1424هـ، ج6، ص: 134.

[2] - سورة الفرقان: آية 33.

[3] - معجم تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: د. رياض قاسم، دار المعرفة، الطبعة:1، سنة: (1422هـ/2001م)، بيروت، لبنان. المجلد الثالث، ص: 2787.

[4] - حديث رواه الترميدي، في سننه، باب: ما جاء في الإسفار، ج1، ص: 263، ورواه النسائي في باب: الإسفار بالفجر، ج2، ص: 277، ورواه أحمد في المسند من طريق رافع بن خديج، ج35، ص: 150/ج48، ص: 157/ ج48، ص: 172. وأخرجه = ابن أبي شيبة في مصنفه: ج1، ص: 345،355، 457، 478. ورواه الطبراني في المعجم: ج9/4/17، ص: 460،13،150. ورواه البيهقي في الآثار، باب: الصبح، ج2، ص: 325.

[5] - تاج اللغة وصحاح العربية، لأبي إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة4، 1426هـ/2005م، بيروت لبنان، الجزء: 2، ص: 589.

[6] - كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي الفاروقي التهانوي، تحقيق: لطفي عبد البديع، المؤسسة المصرية، العامة، مكتبة النهضة العربية، الطبعة:1، 1382هـ /1963م، ص: 33.

[7] - البحر المحيط، علي بن يوسف أبي حيان الأندلسي، ج1، ص: 14.

[8] - البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، (مصدر سابق)، ج1، ص: 13.

[9]- سورة: الغاشية، الآية: 14.

[10]- سورة: الرحمن، الآية: 10.

[11]- سورة: آل عمران، الآية: 96.

[12]- المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سعيد كيلاني، دار المعرفة، (دون تاريخ)، بيروت. ص: 526.

[13]- التفسير الموضوعي، عبد الجليل، (مصدر سابق)، ص:33.

[14] - مقدمة في التفسير الموضوعي، محمد بن عبدالعزيز الخضيري، كلية المعلمين قسم الدراسات القرآنية، ص: 20.

[15]- مجمع اللغة العربية، (مصدر سابق)، ج: 2، ص: 1052.

[16]- التوقيف على مهمّات التعاريف، عبد الرؤوف المناوي، ( مصدر سابق)، ص: 720.

[17] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، (مصدر سابق)، ص: 16.

[18] - تعني: الدفاع.

[19]- التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، محمد يوسف القاسم، الطبعة الأولى، سنة: 1401هـ/1981م، القاهرة، القسم الأول، ص: 7.

[20] - مباحث في التفسير الموضوعي، (المصدر السابق)، ص: 16

[21] - التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقا، أحمد رحماني، منشورات جامعة باتنة، ص: 42.

[22] - دراسات في التفسير وأصوله، محي الدين بلتاجي، دار الثقافة، الطبعة: ،1 ص: 193 سنة: 1987م، بيروت.

[23] - التفسير الموضوعي، يوسف القاسم (مصدر سابق)، ص:10.

[24] - التفسير الموضوعي، أحمد رحماني، (مصدر سابق)، ص: 14.

[25] - مقال للأستاذ: محمد بن عبدالعزيز الخضيري، كلية المعلمين، قسم الدراسات القرآنية، بتاريخ: 05/02/2002م.

[26] - سورة البقرة: 180

[27] - سورة الأنفال: 23.

[28] - سورة البقرة: 105.

[29] - سورة المؤمنون: 118.

[30] -سورة الأنعام: 17.

[31] - سورة الحج: 36.

[32] - سورة الأحزاب: 25.

[33] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، دار القلم، ط2، 1997م/1418هـ، دمشق، ص: 24.

[34] - المصدر نفسه: ص: 28.

[35] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، (مصدر سابق)، ص: 29.

[36] - حديث رواه البخاري في كتاب التفسير، الجزء8، ص:120.

[37] - المائدة: آية6. وهي قوله تعال:}يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين{

[38] - سورة النساء: آية43.

[39] - الحجة في القراءات السبع، للإمام ابن خالويه، تحقيق: د.عبد العال سالم مكرم، دار الشروق، ط2، 1397هـ/1977م، بيروت. ص: 124.

[40] - سورة آل عمران، آية: 188.

[41] - قواعد التدبر الأمثل، حبنكة الميداني، الطبعة الثالثة، دار القلم، سنة: 2004م، ص: 12.

[42] - المصدر نفسه، ص: 13.

[43] - المصدر نفسه، ص: 27.

[44] - المصدر نفسه، ص: 53.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)
12/sidebar/التفسير