الوحدة الموضوعية في السورة القرانية


الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية

دراسة نظرية

الدكتور رياض عميراوي

  الفصل الأول: مقدمات ومفاهيم حول منهج التفسير الموضوعي
المبحث الأول: منهج التفسير الموضوعي.
المطلب الأول: تعريف التفسير الموضوعي.
المطلب الثاني: أنواع التفسير الموضوعي.
المطلب الثالث: أهمية التفسير الموضوعي.
المطلب الرابع: قواعد التفسير الموضوعي وضوابطه.
المبحث الثاني: ماهية الوحدة الموضوعية. 
المطلب الأول: مفهوم الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية.               
المطلب الثاني: حقيقة الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، وأهميتها.       
المطلب الثالث: نشأة ، وأقوال العلماء فيها.

الفصل الأول: مقدمات ومفاهيم حول منهج التفسير الموضوعي.
المبحث الأول: منهج التفسير الموضوعي.
المطلب الأول: تعريفه.
  لتعريف التفسير الموضوعي ينبغي أن نتعرض لتفسير لفظتي هذا المركب، المكون من لفظة "التفسير" ولفظة "الموضوعي"، فنبدأ أولا بتعريف مادة "فسر" في اللغة ثم في الاصطلاح، وبعد ذلك نتعرض لمادة "موضوع"، لنعود بعد ذلك فنعرّف هذا المركب اللفظي كعَلم على علم مخصوص، وفن مدون.
أولا: التفسير
لغة: التفسير في اللغة هو تفعيل من الفِسْر؛ الذي هو الكشف والبيان، وفسَّر الشيء يفسّره بالكسر، ويفْسُره بالضم فَسْرًا، يعني: أبانه، والتفسير كشْفُ المراد عن اللفظ المبهم[1]، وقال الأزهريُّ: الفَسْرُ: «كشف ما غُطّْيَ، وهو بيان وتفصيل للكتاب [العزيز]... والتَفْسِرَةُ: اسم للبول الذي ينظر فيه الأطباء يستدلون بلونه على عِلَّةِ العليل، [فكذلك المفسر يكشف عن شأن الآية، وقصصها، ومعناها، والسبب الذي أُنزلت فيه، وكأنَّهُ تسمية بالمصدر، لأن مصدر فعل جاء أيضا على تفعلة]، يعني فسَّرَ تَفْسِرَة.
   وكل شيء يُعرفُ به تفسير الشيء ومعناه، فهو تفسرته، وقول الله تعالى: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسيرًا[2]، وقال بعضهم: التفسير: «كشف المراد عن اللفظ المشكل»[3]، وفَسَرَ وسَفَرَ لغة واحدة، أي إشتقاقهما واحد، ومعناهما الكشف، قال الجوهريُّ: «... وسَفَرَتِ المرأة: كشفت عن وجهها، فهي سافرٌ، ومَسَافِرُ الوجه: ما يظهر منه... وأسفر الصبح، أي أضاء، وفي الحديث: أسفروا بالفجر، فإنَّهُ أعظم للأجر[4]..وأسفر وجهه حُسنًا، أي أشرق»[5].
 وقال الزركشي في البرهان: «والتفسير هو الكشف أيضا، فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويُقال: فسَّر الشئ أفْسَره تفسيرا، وفسّرْتُهُ أُفْسِرُهُ فسرًا، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال، وقال آخرون هو مقلوب من سفر ومعناه أيضا الكشف، يقال سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجهها، وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء»[6]. وجميعهم متفقون على أن أصل التفسير الكشف والبيان.
اصطلاحا: لقد تفاوتت التعاريف الاصطلاحية لهذا اللفظ بسبب اختلاف العلماء في تحديد ما يندرج تحته من مدلول ومعنى، ومقصد، فبعضهم يقول: هو علم يُعرف به نزول الآيات، وشؤونها وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيُّها، ومدنيُّها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وأمثالها وغيرها[7]
وقد جمع هذا التعريف كل ما يتعلق بعلوم القرآن، وتناول مختلف الدراسات القرآنية.
وهناك من يقول: «هو علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك[8]
وقصد بذلك عدة علوم كالقراءات، ومعاني الألفاظ، والنحو، والصرف، والبيان، والبديع، وهذا يُفهم من خلال قوله: «كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها التركيبية والافرادية»، والمجاز من خلال قوله: «ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب»، وقصد أيضا علم أسباب النزول والمبهم،...وغيره، وهذا يُفهم من قوله: «وتتمات ذلك»، وهو كل ما يتعلق بما جاء في كتاب الله من متشابه ومحكم وقصص...وغيره.
  وأما الزركشي فيعرّف التفسير بقوله: «التفسير: علم يُعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو، والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ»[9]، وهو الكشف عن مراد الله بقدر الطاقة البشرية.
  وهذا الأخير تعريف عام، يفهم منه أن التفسير هو الجهد الذي يبذله المفسر، للكشف عن مراد الله تعالى من خلال خطاب الله المتعلق بأفعال العباد، بقدر استطاعته، وبقدر ما آتاه الله من علم، وبما فتح الله به عليه من فهم.
ثانيا: الموضوع
لغة: فهو في الأصل مصدر ميمي لفعل وضع، يقال في اللغة وضعه يضعه وضعا وموضعا وموضوعا، بمعنى حطّه، ويقال ذلك في الحمل والحمل -بفتح وكسر الحاء- فيقال: وضعت الحمل فهو موضوع، قال I: ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ[10] وقولهY: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ[11]، فهذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق. ووضْعُ البيت: بناؤه، قال U: ﴿إِّن أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ[12] ووضعت الدابة، أسرعت، وتضع في سيرها: تُسرع، ودابة حسنة الموضوع سريعة، وأوضعتها: حملتها على الإسراع[13]، والإبل ألزمتها المرعى فهي موضوعة[14].
والموضوع أيضا مــن الـوضـع؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان، تقول العرب: ناقة واضعة: إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده[15].
   وهذه لفظة غنية المعاني، حقيقية ومجازية، وهي لا تستعمل في الاستعمال الذي نقصده لأنها مصطلح حديث شاع حتى أصبح حقيقة عرفية على القضية العلمية.
إصطلاحا:
  جاء في المعجم الوسيط: «الموضوع هو المادة التي يبني عليها المتكلم أو الكاتب كلامه»[16]، وهو محل العرض المختص به، وموضوع كل علم: ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، كبدن الإنسان لعلم الطب، وكالكلمات لعلم النحو[17].
    ويعرّفه آخرون بأنه قضية، أو أمر متعلق بجانب من جوانب الحياة، في العقيدة أو السلوك الاجتماعي، أو مظهرا من مظاهر الكون، تعرَّضت لها آيات القرآن الكريم[18]، وإضافة (تفسير) إلى (موضوعي): صارت علما على هذا الفن، بعد أن رُكبت معها وصارت كلمة واحدة، كما هو الشأن في اسم (معد يكرب)، أو (حضرموت)، أو (سيبويه)، فتنوسيت تلك الإضافة مع مرور الزمن، وصارت كأنها كلمة واحدة لها معنًا خاصًا بها.
   أما تعريف التفسير الموضوعي كمركب إضافي فهو: عبارة عن منهج جديد يُتناول به تفسير القرآن الكريم، بطريقة سهلة ميسورة تخدم المقبلين على كتاب الله، فتمكنهم من فهم القرآن الكريم فهما دقيقا كاملا، وهو «عبارة عن جمع الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد، مشتركة في الهدف، وترتيبها على حسب النزول-كلما أمكن ذلك- ثم تناوُلها بالشرح والتفصيل، وبيان حكمة الشارع في شرعه وقوانينه، مع الإحاطة التامة بكل جوانب الموضوع كما ورد في القرآن الكريم، والدب[19] عما يمكن أن يكون قد أثير حوله من شُبَه الضالين والملحدين من أعداء الدين»[20]، وقيل: هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر[21].
   وقيل: هو علم يبحث في قضايا القرآن المتحدة معنى وغاية عن طريق جمع آياتها المتفرقة، والنظر فيها على هيئة مخصوصة بشروط مخصوصة لبيان معناها، واستخراج عناصرها، وربطها برباط جامع[22]، وكل هذه التعاريف متقاربة بعضها لبعض، إذ تصب في معنى واحد، فبعضهم عرّف التفسير الموضوعي باعتباره علما على فن مدون، وبعضهم عرفة على اعتبار أنه مركب وصفي، ولعل كل هذه التعاريف تخدم بعضها بعضا وتتم المعنى المطلوب.
 المطلب الثاني: أهمية التفسير الموضوعي:
   أخد التفسير في العصر الحديث اتجاهات متعددة ومناهج متنوعة، بعضها يساير ما كان عند القدامى ويعتبر امتدادا له، وبعضها لم يكن له عند القدامى قسمات واضحة، وإنما هو لون تعروه جدة في إطاره، وبعض مضامينه، وإن كان لا يخلو من أثر يمكن نسبته إلى جهود القدماء، ولقد اجتهد المعاصرون في البحث عن طرق وسبل تيسّر لهم فهم القرآن الكريم، وضوابط وقواعد جديدة تُمكن المفسر من خوض غمار هذا الكتاب العظيم، وهذا بسبب التقدم والتطور الذي عرفته البشرية.
  يقول الدكتور محي الدين بلتاجي في هذا الشأن: «والواقع أن الحياة الانسانية قد تغيرت معالمها ومعارفها تغيرا كبيرا منذ بدأ التأليف في التفسير عند القدامى، بمساراتهم التي ارتضوها حتى هذا القرن الذي نعيشه، والذي تشكلت في مطلعه حضارة مادية أظلت حياة الناس، تغلب عليها النظرة العلمية، وتوجه الكثير من اتجاهات الفكر فيها... ومما لاشك فيه أن كثيرا من القضايا التي عرض لها القدامى من المفسرين، لم تعد تساير العصر، لأنها ليست من معطياته الفكرية في شيء، ومن هنا اتجه الكثير من المحدثين إلى التفسير، وهم يحاولون الربط بين ما جدَّ في حياتهم من قضايا وبين كتابهم»[23]
   ويقول الدكتور يوسف القاسم: «ممَّا لا شك فيه أن هذا النوع من تفسير القرآن الكريم نحن في أشد الحاجة إليه، وخصوصا في هذا العصر الذي تقدمت فيه العلوم والمعارف، وتغيرت العادات والتقاليد عما كانت عليه من قبل، وأصبحنا في حاجة ماسة إلى عرض أعمالنا على القرآن والسنة الشريفة وعمل السلف الصالح، فما وافق أخذنا به وما لا يوافق طرحناه وراء ظهورنا»[24].
   وإن تقسيم القرآن إلى مواضيع معينة وتفسيرها، هي الطريقة المثلى في الكشف عن خبايا هذا الكتاب، من تشريعات، وقواعد، وسلوك حميد، وكل ما من شأنه يفيد الناس في حياتهم، وما يتعلق بسلوكهم، وهذا ما يشعرنا بما للقرآن من صلة وثيقة بنظامنا الديني، والاجتماعي، والأخلاقي.
   كما أن أهمية هذا المنهج تكمن في التصدي لمبادئ الشيوعية والإلحاد وبعض المادية، خاصة وأنها تدعي إطلاق الحرية، وتتهم الآباء بالغفلة والرجعية، وذلك من خلال إبراز مواضيع القرآن الكريم بصورة علمية جديدة، وبشكل يخدم القضايا المعاصرة، ويطرح الموضوع من جوانبه المختلفة، لتكتمل الصورة، وتقوم الحجة، على كل من يدعي فهم الحياة وحقيقة الإنسان، ليزداد الذين آمنوا إيمانا، وليستيقن من كان في قلبه ريب.
  كما تتجلى أهمية هذا المنهج في إبراز وجه من أوجه إعجاز هذا الكتاب المحكم المرتب ترتيبا يوحي بأنه من عند حكيم حميد، لا سيما إذا كانت أسباب النزول متعددة، وأزمنة النزول متباعدة، حيث يظهر ذلك من خلال جمع الآيات، وصبها في موضوع واحد، كما هو الشأن في هذا المنهج من التفسير.
  ويرى الأستاذ أحمد رحماني أن أهمية التفسير الموضوعي تكمن في تحديده موضوع معين، وهو تتمة لرسالة الفقهاء[25].
   ويمكن تلخيص أهمية هذا المنهج في الأمور التالية:
الأول: إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم، فكلما جَدّت على الساحة أفكار جديدة -من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري- وجدها المفسر جلية في آيات القرآن، لا لبس فيها ولا غموض، بعد تتبع مواطن ذكرها فيه، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه.
الثاني: التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أعلى، وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه، أو تقصير منه، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتتعاضد جهودنا لبيانه، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن، أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته، ونورد ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه.
الثالث: إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، إذ عندما نجابه بنظرة جديدة، أو علم مستحدث، فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم، وتلك النظرية، وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب، إلا عن طريق تتبع آيات القرآن، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك.
وإن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة، يمكّن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة.
الرابع: إثـراء المعلومات حول قضية معينة، فغالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث، ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع، ومزيد من الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التفسير الموضوعي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة.
الخامس: تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها: لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافـراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فـقد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فيه أو التفريط، وهذا إنما يتم عبر دراسة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هذا المجال.
    وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن المسار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصحيح وتعديل، وإعادة تقويم، كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عليـه في القرآن الكريم، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..[26]
المطلب الثالث: ألوان التفسير الموضوعي:
من خلال استعراضنا لبعض ما أُلّف في هذا المنهج، ومن خلال ما نلحظه في التفاسير القديمة والحديثة، وما كُتب في التنظير لهذا المنهج نستنتج ثلاثة أنواع من ألوان التفسير الموضوعي.
اللون الأول:
 وهو ما يُعرف بالتفسير الموضوعي للَّفظة القرآنية، وطريقته أن يتتبع الباحث لفظة معينة من القرآن الكريم، كالعقيدة، أو الحب، أو الأمانة، أو الجهاد، أو النفاق...، فيجمع لها الآيات التي وردت فيها هذه اللفظة من القرآن الكريم كله، سواء بلفظها أو بمشتقاتها، ثم يعهد الباحث إلى تفسير هذه الآيات، مستنبطا من خلالها دلالات تلك اللفظة، واشتققاتها من خلال استعمال القرآن لها، فتكتمل بذلك الصورة، حيث يُطلعنا ذلك على أساليب القرآن الكريم في تعامله مع الألفاظ، واستخدامها في الموضع الأليق بها، دون تقديم أو تأخير.
وهذا اللون من التفسير الموضوعي أشبه بما في بعض الدراسات السابقة، كالأشباه والنظائر، وغريب القرآن، وغيرها.
   وقد أورد الدكتور مصطفى مسلم بعض النماذج من هذا اللون من التفسير، نكتفي بذكر أنموذجا واحدا لإيفائه بالغرض، حيث جاء في كتابه: "مباحث في التفسير الموضوعي" تحت عنوان نموذج من كتاب: "إصلاح الوجوه والنظائر" للدامغاني، ما يلي: «قال الدامغاني تحت مادة: (خ ي ر)، (خير) على ثمانية أوجه:
المال، الإيمان، الإسلام، التفضيل، العافية، الأجر، الطعام، الظفر والغنيمة.
-                   فمعنى المال جاء في قوله تعالى: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا[27].
-                   وبمعنى الإيمان جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمِ[28].
-                   وبمعنى الإسلام جاء في قوله تعالى: ﴿مَا يَودُّ الذِّينَ كَفَرُوُا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتاَبِ وَالمُشْرِكيَن أَنَ يُنَزَّلَ علَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ[29].
-                   وبمعنى أفضل جاء في قوله تعالى: ﴿وقُلْ ربِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ[30].
-                   وبمعنى العافية جاء في قوله تعالى: ﴿وإِنْ يَمْسسْكَ بِخَيْرٍ فهُو عَلىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرْ[31].
-                   وبمعنى الأجر في قوله تعالى: ﴿لكُم ْفيهَا خَيْرْ[32].
-                   وبمعنى الطعام في قوله تعالى: ﴿قاَلَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ منْ خَيْرٍ فَقِيرٍ7.
-                   وبمعنى الظفر والغنيمة، جاء في قوله تعالى: ﴿َوَرَدّ اللهُ الذِّينََ كَفَرُوا بِغَيْضِهِمْ لَمْ َيَنَالُوُا خَيْرًا[33]»[34].
وهذه الأمثلة التي سقناها من القرآن ليست وحدها التي جاء فيها الخير بهذه المعاني بل هناك آيات أخرى أعرضنا عن ذكرها لعدم التطويل.
اللون الثاني:
  ويسمى التفسير الموضوعي التجميعي، ويعرف أيضا باسم التفسير الموضوعي لموضوع قرآني، حيث يختار الباحث موضوعا له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك... مما يتعلق بأمور الناس، ويفيد البشر جميعا، وخاصة المسلمين في حياتهم، ويشكل منه موضوعا يدرسه على ضوء القرآن الكريم من خلال آياته، ويخرج بعد ذلك بخلاصة تساعد في فهم جوانب الموضوع، وتعطي حلولا للمشاكل المطروحة.
  وهذا اللون من هو الذي اشتهر بين أهل الاختصاص، وإذا ما أطلق اسم التفسير الموضوعي، فلا يكاد ينصرف الذهن إلاّ إليه[35].
  وفيه أن يقوم الباحث بجمع آيات تصب في موضوع واحد، ويقوم بتفسيرها على ضوء ما تسمح به ثقافته، ثم ينسق بين معاني هذه الآيات، ويقسمها إلى مقدمة، وصلب، وخاتمة، ويربط كل ذلك، بالواقع الذي انطلق منه، ليعود في الأخير إلى استخلاص قواعد وحلول شاملة للمشكل المدروس.
  وقد ألّف في مثل هذا النوع العلماء السابقون، إذ يجمعون الآيات المشتركات في شيء واحد مثل الأمثال في القرآن، أو الآيات التي اشتملت على الأحكام، أو ما جاء في الناسخ والمنسوخ، أو غير ذلك مما له رابط بعضه ببعض، ولكنهم أوردوها ليقفوا على ما فيها، فلم يربطوا بينها ليستخلصوا موضوعا واحدا بالصورة التي نعهدها اليوم في هذا المنهج، ولم يتجاوزوا الحديث عن مدلولات ومعاني تلك الآيات واستخلاص مسائل جزئية، فضلا عن تقسيمهم لتلك المجموعات من الآيات، لتشكل مقدمة وصلب موضوع، وخاتمة، بل جمعت بطريق آخر ورتبت إما ترتيبا مصحفيا، أو بحسب المتقدم منها والمتأخر، لتخدم الغرض الذي جمعوا من أجله تلك الآيات.
  ولعل كثيرا من المؤلفين في هذا العصر قد دأب على هذا الطريق، فكتبوا في هذا النوع، خاصة بعض الباحثين من طلاب في رسائلهم الجامعية، وهي مواضيع منتشرة في المجلات والدوريات، مثل "حقوق الإنسان في القرآن"، و"العِرض في القرآن"...وغيرها، وقد خطا هذا النوع خطوات لا بأس بها، وهو في طريق النمو، والإزدهار.
اللون الثالث:
   وهو التفسير الموضوعي الكشفي، ويسمى أيضا التفسير الموضوعي للسورة القرآنية، أو الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، والذي نتعرض له بالتفصيل في المبحث القادم، وهو أن يختار الباحث سورة من القرآن تكون مدار بحثه، ويخرج منها بدراسة موضوعية متكاملة، كما فعل باقر الصدر عندما تناول سورة البقرة، وسورة هود، ويونس، وسنذكر بعض من ألَّفَ في هذا النوع في الحديث عن الوحدة الموضوعية ونشأتها.
   وهذا اللون من التفسير الموضوعي لا يتجاوز السورة الواحدة من القرآن، وطريقته أن يستوعب الباحث الموضوع الرئيس للسورة، وكذا مواضيعها الجزئية، مستعينا في ذلك بعدة أمور، مثل ترتيب النزول، وأسبابه، وهل تلك الآيات مكية أو مدنية، مع دراسة لأسلوب القرآن في تناول ذلك الموضوع، مع التركيز على كشف ذلك الرابط الذي يجمع تلك الموضوعات الجزئية، وإبراز علاقتها بالموضوع الرئيس للسورة، لتفسر تلك المجموعات وتلك المقاطع من الآيات بصورة عامة متكاملة، بعد تقسيمها وترتيبها بحسب ما يقتضيه الموضوع، على أساس أن يخرج المفسر بعد الدراسة بإحاطة وافية للموضوع، وإلمام تام بجوانبه، في شكل خلاصة يسهل فهمها، والأخذ بها.
  وقد شح هذا اللون من التفسير في كتب القدماء، كما يخبرنا بذلك الدكتور مصطفى مسلم فيقول: «ولم يظفر هذا اللون من التفسير الموضوعي بعناية القدماء، بل جاء في ثنايا تفاسيرهم الإشارة إلى بعض أهداف السور، وخاصة القصيرة منها، وكذلك التوخي لوجه المناسبة بين مقاطع بعض السور، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وما فعله البقاعي في "نظم الدرر"، وعبد الحميد الفراهي في كتابه: "نظام القرآن"»[36].
   وهناك نوع آخر من التفسير الموضوعي للقرآن الكريم متكاملا، حيث تتضافر جهود عدد من الطلبة للبحث في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، وإخراجه في صورة واقعية إلى حيز الوجود، وهي فكرة طيبة تحتاج إلى من يتبناها، ويدعمها ويحوطها بالعناية، لتثمر وتزهر وتكون لبنة تضاف إلى هذا المجال، كما قال الأستاذ باقر الصدر في مقدمات التفسير.
المطلب الثالث: قواعد وضوابط التفسير الموضوعي:
   لقد توسع المفسرون القدماء توسعا كبيرا في عرض القضايا النحوية والصرفية، وحشوا تفاسيرهم بالعديد من المسائل التي أثقلت التفسير، بحيث تجعل القارئ يتخبط في خضم هذه الآراء والتحليلات، والمناقشات الفقهية....  
    كما أنهم قد حشوا كتبهم بإسرائيليات نقلوها عن أهل الكتاب، إستنادا لرخصة النبيr، القائل في حديثه الشريف: "خذوا على بني إسرائيل ولا حرج"[37]، فعجّت مؤلفاتهم بتلك القصص والروايات والأساطير التي أفسدت المعنى ووضعت بينه وبين المعنى الحقيقي كثيف الحجاب.
   وما زاد الطين بلة تلك التفاسير المشوبة ببعض الأحاديث الموضوعة، وتلك الروايات الضعيفة المزعوم صحتها عن رسول اللهr، والتي كثيرا ما تحيدنا عن المعنى الحقيقي لفهم القرآن الكريم.
  لكل ذلك بات من الضروري البحث عن منهج ينقي ويصفي التفسير من الشوائب التي علقت به عبر الزمان، وحالت دون إبراز بعض المعاني القرآنية السامية، والتي تحمل في طيّاتها هدايات للبشر، فحاول العلماء وضع ضوابط وقواعد تعصم من كل ذلك، فاجتهدوا في إرساء بعض قواعد منهج التفسير الموضوعي، نذكر منها:
-                   وضع خطة منهجية تتحكم في سير التفسير، بحيث لا يخرج المفسر عنها وهو ملزم باتّباع خطواتها، وهي تلك الأطر العامة، وذلك الطريق المتسلسل المتين، الذي ينطلق من مقدمات علمية صحيحة، مستدلا على ما يعرض من تفسير من الكتاب نفسه، ومما صح عن رسول اللهr، وعما اجتمعت عليه الأمة وتعارف عليه المسلمون مند بداية النزول إلى يومنا هذا، ليخلص بعد ذلك إلى نتائج حقيقية مرضية، ولأن النتائج مربوطة بمقدمات، فإن صحت المقدمات، وصح الاستدلال، صحت لزوما النتائج.
-                   العمل على ربط معاني القرآن بما ورد في السنّة الشريفة، والعمل على التخلص من الروايات الضعيفة الواهية المنكرة، حيث أن الحديث الشريف يساعد على ترجيح بعض مدلولات، سيقت لها الألفاظ التي تحمل أكثر من معنى .
-                   مراعاة القراءات التي تمكّن المفسر من اختيار بعض الوجوه المحتملة وترجيحها على بعض، لأن القرآن الكريم له عدة قراءات صحيحة متواترة، وهي متلاقية في معانيها، مقتربة في مدلولاتها، وربما تكمل الأخرى قرينتها، أو توجهها في المعنى، مثل ما جاء في آية الوضوء من سورة المائدة[38]، حيث قرأت كلمة "أرجلكم" بالفتح وبالضم، فعطفت الأولى على الغسل، وعطفت الثانية على المسح، فشرع بذلك غسل الرجلين، وكذا مسحهما. وما جاء في قوله تعالى: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ[39]، فقُرأت بإثبات الألف وطرحها، أي "لامستم" و"لمستم" فالأول كناية على الجماع، والثانية على اللمس فقط[40].
-                   التخلص من الإسرائيليات، والتقليل منها، إلاّ عند الضرورة، ولا تكون إلا فيما وافق القرآن والسنة، وفي حيز ضيِّق جدا، كوصف جلد بقرة، أو اسم كلب، أو قرية قد اندثرت، أو شيء من هذا القبيل، والذي لا يمد إلى المعنى بصلة، ولا يمس بقدسية هذا الكتاب ومعانيه الشريفة.
-  معرفة أسباب النزول والمكي منها والمدني، ومعرفته عون على فهم النص القرآني وجو التنزيل، إذ به تترجح كثير من المعاني، وتتضح أفهام جديدة للمفسر على ضوء ما يستخلصه من أسلوب الخطاب المستعمل في فترات زمنية معينة متباينة فيما بينها، وفي أماكن مختلفة، وربطها بحوادث ومناسبات وربما بأشخاص معينين، فقد يصرح بهم القرآن الكريم، وقد يبهمهم، كما حدث مع الملك بن مروان حينما استشكل عليه فهم قوله تعالى من سورة آل عمران: ﴿ولاَ يَحْسِبَّنَ الْذِّينَ يَفْرَحُونَ بمَا أُتُوا وَيحُِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بمَا لَمْ يَفْعَلوُا...[41] فقال له ابن عباسt أنها نزلت في أهل الكتاب. ومثل هذا كثير في القرآن.
-                   معرفة الناسخ والمنسوخ، وتقتضي معرفته معرفة المتقدم في النزول من المتأخر، لكيلا يقع المفسر أو المفتي مأزق الإفتاء بنص منسوخ، فيَضل ويُضل، كأن يفتي بإمساك زوجة جاءت بفاحشة مبينة في بيتها حتى يدركها الموت، أو يجعل الله لها سبيلا، وهو لا يدري أنها نسخت بآية اللعان.
-                   معرفة القصص القرآني؛ إذ أن التفصيل في القصص التي جاءت في القرآن مجملة، قد يعين المفسر على ترجيح رأي على رأي، لأنه يعطي للمفسر صورة متكاملة حول جزئيات القصة، ويجعله يعيش ذلك الجو الذي تصوره تلك الأحداث الدائرة في فلك القصة، فتمكنه من استخراج هداياتها، واستنباط عضاتها، وعبرها، المنبثة في ثنايا جزئياتها، والتي تعود بالفائدة على المتدبر والتالي لكتاب الله، إضافة إلى استمتاع القارئ لهذه القصة وتفسيرها بتلك المشاهد التي تصورها من خلال جزئياتها، فتبقى متعلقة بذهنه، وتؤثر في نفسه، كلما ذُكرت هزت نفسه، وحركت مشاعره، وزادت في ورعه وتقواه.
هذه أهم ضوابط منهج التفسير الموضوعي بصورة عامة كما نراها، وأمّا من كان له الفضل في تفصيل هذه القواعد، فهو الشيخ حبنكة الميداني بدون منافس، حيث يذكر في كتابه: "قواعد التدبر الأمل لكتاب الله" حوالي أربعين قاعدة كلها تصب في هذا المعنى من التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وهي قواعد شملت في تقديرنا جميع ما يحتاج إليه هذا المنهج من الحيلولة دون وقوع المفسر في الزلل والخطأ، فضلا عن توضيح وتجلية المعنى المراد من آيات الكتاب العزيز، بل إن الشيخ في اعتقادنا لم يترك شاردة ولا واردة إلا أشار إليها، فكان كتابه بحق جامعا مانعا لهذه الضوابط والقواعد، التي تنتظر من يأخذ بها ويطبقها، بل يحثنا صراحة على ذلك فيقول: «وفي هذه الرسالة كتبت هذه القواعد، وشرحتها بالأمثلة، وقد أكون في بعضها مسبوقا إلى كتابته أو الإشارة إليه، وقد يكون بعض المفسرين قد وضع في تصوره مراعاة بعضها، إلا أنني لم أجد من راعاها كلها مراعاة تامة في كل ما تدبر من كلام الله، كما أن بعض هذه القواعد لم يحظ بعناية أحد من المفسرين، وأمام الباحثين المتدربين لكتاب الله طريق طويلة، قد لا يصلون إلى غايتها مهما بذلوا من جهد وكد، إلا أنهم - من دون شك - سيكتشفون بالبحث كنوزا عظيمة من هذا التنزيل الرباني العظيم»[42] ولا بأس أن نشير إلى بعض هذه القواعد على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر:
   إن أول قاعدة تناولها هذا الكتاب هي مراعاة ارتباط الجملة القرآنية بموضوع السورة، وارتباطها الموضوعي بما تفرق في القرآن المجيد[43]، وهي قاعدة نلمسها في محاولات بعض المفسرين في كشف تلك الروابط والمناسبات بين الآيات والسور، وبين مقاطع السورة كما هو الشأن في تفسير سعيد حوى، وتفسير عبد الله دراز، وضرب لهذه القاعدة أمثلة من القرآن ليستدل على صحة ما يذهب إليه، وأورد في القاعدة الثانية حديثا يدور حول الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، حيث سمّاها: وحدة موضوع السورة القرآنية[44]، وضرب لذلك أمثلة بسورة الرعد، وسورة العلق، والقيامة، وجاء حديثه في القاعدة الرابعة عن بيئة نزول النص البشرية، والمكانية، والنفسية، والفكرية، والفردية، والاجتماعية[45]، وهي أبعاد متعلقة بجو النزول وأسبابه، ويختم هذه القواعد بما أوردنا سابقا عن القراءات، ويحددها في القراءات العشر، ويعني بها مراعاة القراءات المتواترة، مستدلا على كل قاعدة يذكرها في الكتاب بأمثلة من القرآن الكريم، يسرد نماذج ومقاطع لبعض التفسيرات التي تصب في الموضوع المطروح، وتخدم المعنى المقصود، وفيما ذكرنا من القواعد والضوابط كفاية، والله المستعان.
المبحث الثاني: الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية.
مقدمة: تعرضنا سابقا إلى أنواع وألوان التفسير الموضوعي بشكل عام، دون التفصيل في خطوات كل لون، واكتفينا بضرب بعض الأمثلة منها، وسنأتي الآن إلى الحديث عن أحد هذه الألوان بالتفصيل، باعتباره أنه الاختيار أو اللون الذي أردنا أن نطبقه عمليا على إحدى سور القرآن الكريم، وهو الوحدة الموضوعية لسورة الحج، ولنبدأ بمفهوم هذا المصطلح العلمي الجديد، ونستعرض بعد ذلك نشأته وأهميته في مجال التفسير.
المطلب الأول: مفهوم الوحدة الموضوعية.
    مفهوم الشيء عبارة عمّا يدّل عليه من حكم لا يدخل في لفظه معناه، كقوله تعالى:﴿..فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا...﴾[46]، ومفهوم أنّ ضربهما وشتمهما أولى بالتحريم، ورجل فهْمٌ من قوم فُهماء[47]. والفَهْمُ يقتضي الإحاطة بالمقصود إليه[48].                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      
   وليتضح مفهوم الوحدة الموضوعية لا بدّ لنا من إيراد بعض التَّعاريف اللغوية والاصطلاحية الخاصة بهذا الاسم المركب من لفظتي: "الوحدة" و"الموضوعية"، وكذا المعنى المقصود من تركيبهما.
   يقول ابن منظور الأفريقي[49]: «الوحدة - بكسر الحاء - هي: الأنثى المنفردة»[50]، والوحدة - بسكون الحاء - الإنفراد[51] والواحد هو العدد، والأوحد هو الذي لا ثاني له، والوحدة - بفتح الواو، وسكون الحاء - الإتحاد والاجتماع، وهي عكس الوِحْدَة: التي تعني الافتراق، والتشتت، ويمكن أن تجمع الوحدة - بفتح الواو- أفرادا، فتكوّن وحدة واحدة، والواحد الذي لا ينقسم بوجه، لا فرضا ولا وهما، ولا فعلا، ولا بينه وبين غيره نسبة بوجه[52]، فالوحدة في اللغة تطلق على الإنفراد، يقال وحّده توحيداً: جعله واحداً، ورجل متوحد: منفرد[53]، قال أبو البقاء في كلياته: الوحدة كون الشيء لا ينقسم، وتطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام[54]، والوحدة في النظام السياسي: إتحاد أمتين أو أكثر في الرياسة والسياسة والاقتصاد والجيش[55].
أمّا لفظة "موضوع" فقد سبق التعريف بها في المطلب الأول من المبحث الأول.
  ويمكن أن نخلص إلى أنّ الوحدة الموضوعية كمركب لفظي: تعني أنّ للسورة الواحدة من القرآن الكريم موضوعا منفردا، وهو في الوقت ذاته مجموعة من المحاور مجتمعة لتشكل ذلك الموضوع الذي يسمى موضوع السورة، وتلك النظرة الكلية الشاملة لما جاء فيها، حيث يقول الشاطبي(791هـ)[56] في الموافقات وهو يتحدث عن النظم وفوائده: «اعتبار جهة النظم في السورة لا يتم به فائدة إلاّ بعد استيفاء جميعها بالنظر، فالاقتصار على بعضها غير مفيد للمقصود منها»[57] وما ذهب إليه الشاطبي هو عينه الذي نقصده بالوحدة الموضوعية.
   وما يزيد هذا المعنى وضوحا قول الدكتور مصطفى مسلم، حين يتحدث عن طرق تناول التفسير الموضوعي، إذْ يعتبر البحث عن موضوع السورة، وتتبعها، لونا من ألوان التفسير الموضوعي، إذ يقول: «وكما أن الهدايات تجتمع في القرآن بتمامه، فإنّ هذه الهدايات منبثة أيضا في سوره، بصورة تجل عن الوصف، يراها من ينعم النظر فيها، فيجد لكل سورة وحدة تجتمع حولها آياتها وإن تعددت موضوعاتها، ويحس فيها روحا تسري بين أجزائها، ووشائج تربط بينها، ومقصدا يجمعها ...وهذا النوع من الدراسة هو الذي يميّز التناول الثالث للتفسير الموضوعي، فدائرته تحيط بالسورة القرآنية الواحدة، وتتجلى مهمة الباحث في الكشف عن الهدف الجامع، الذي تدور حوله السورة، وطريقته: أن يستوعب الباحث أهداف السورة المنبثة في أسباب نزولها، وترتيبها، ومكيها،  ومدنيها، وأسمائها وعدد آيها، ومقاصدها الفرعية، وأساليب عرضها، والمناسبات بين مقاطعها»[58]
    فالسورة في مجملها، كلٌ لا تنفصم عُراه، وطائفة ملتئمة من الآيات لا تحتمل التقطيع، وإنما النظر يكون في كلها، واستفاء معانيها بتمامها[59] وكل هذا يعتمد على أوجه المناسبة بين أجزاء  السورة الواحدة متكاملة، مترابطة في سياقها، وأفكارها، إذ تشكل موضوعا مستقلا بذاته، مما يجعلها تفرض جواً خاصاً بها، ولا أَدَّلَّ على ذلك من أنّ تَكرارَ القصة القرآنية في السور، الغاية منه أن تكون القصة في كل موضع شاهدة على فكرة، وعبرة معينة، تنسجم مع الموضوع الذي سيقت له السورة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أنّ لتداخل السور المكية في السور المدنية غاية، يقصد منها مراعاة الوحدة الموضوعية للسورة الواحدة، لتتمحور حول فكرة مركزية، وكمثال على ذلك جاءت آية النفاق[60] من سورة العنكبوت المكية النزول، وكذا آخر آية من سورة المزمل مدنية، بينما السورة نفسها مكية.
  ويذكر العلّامة الأستاذ محمد عبد الله درَّاز فكرة النظرة الشمولية للسورة، ويعتبرها خطوة هامة في فهم السياق القرآني، فيقول: «إنّ السياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقتضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه...، وعلى الباحث أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها، وضبط مقاصدها، على وجه يكون مِعْوَانًا له على السير في تلك التفاصيل»
  ويزيد الأمر وضوحا في مفهوم الوحدة الموضوعية، الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، حيث خصَّ لهذا الموضوع كتاباً سمّاه "الوحدة الموضوعية للسور القرآنية"، فيقول: «..فكثير من سور القرآن الكريم متعددة الموضوعات، وذلك يبدو من خلال النظرة الجزئية لكل موضوع في السورة هذه، لكنّ النظرة الفاحصة المتأملة للسورة ككل، تضع فكر القارئ للقرآن الكريم، أو التالي له عند موضوع واحد، تدور حوله السورة، وتتشكل موضوعاتها الجزئية بجوهر هذا الموضوع، وتسهم في جوانبه ومجالاته، ليؤدي كل منها إلى غاية واحدة، وهدف واحد، هي غاية هذا الموضوع الواحد، وهدفه الذي تدور حوله السورة القرآنية.
   كما يسهب الدكتور عبد الجليل عبد الرحيم في هذا الموضوع فيقول في معرض كتابه "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم في كفتي الميزان": «..والوحدة الموضوعية فيما هو متعارف عليه علميا وأدبيا في البحث والأدب، أن يكون النص الذي سيق لمعالجة قضية أو مسألة من المسائل مترابطا في جزئياته، متناسقا في أفكاره، لا يخرج عن فحوى هذه القضية أو الموضوع الذي يتناوله بما لا صلة له به من أفكار، وآراء لا تخدم هذا البحث، ولا تفيده ثم يدقق الكلام، ويعتبر الوحدة الموضوعية لوناً من ألوان التفسير الموضوعي؛ الذي له قيمة علمية كبيرة، فيقول: «الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية: هو التفسير الذي يتوجه فيه المفسر إلى الكشف عن الموضوع الذي تعالجه السورة في ضوء معطيات آياتها المحكمة النسج والارتباط، بأسلوبها المتميز، وخصائصها المعجزة بلوغا إلى مقاصدها الهدائية» يتضح لنا من خلال هذا التعريف، أنّ غير المفسر الذي لم تتحقق فيه الشروط[61] التي وضعها العلماء، لا يحق له أن يُقْبِلَ ولا أن يتكلم فيه، خصوصا هذا النوع منه، لأنّه درجة متفوقة في التفسير التقليدي، فغير العالم المتخصص في التفسير والذي هو على درجة كبيرة من الأهلية، قد يسيء في الوقت الذي يتصور فيه أنّه يحسن، وقد يؤوّل تأويلا أو يفسر تفسيرا، هو في صميمه تحريف للآيات، والمفردات القرآنية عن مواضعها.
المطلب الثاني: حقيقة الوحدة الموضوعية، وأهميتها.
الفرع الأول: حقيقة الوحدة الموضوعية.
     ممّا لا شك فيه أن أوجه إعجاز القرآن الكريم متعددة ومتنوعة، فكما أنه معجز ببيانه وأسلوبه، وطريقة ترتيب آياته وسوره، وأحكامه وحكمه، فهو معجز أيضا في طريقة وأسلوب تناول وعرض القضايا التي يحتاجها الناس في حياتهم، و أنه معجز في إنبائه عن الماضي، وإخباره عن المستقبل، وعن الغيب، ومعجز في ترابط سوره، وآياته، ومعانيه، وفي ألفاظه وحروفه، ومعجز حتى في موسيقاه، فهو يعطي عن كل موضوع صورة متكاملة تامة، على الرغم من معالجته في أكثر من موضع، وأكثر من سورة، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَفَلَا يَتَدبَّرُونَ اْلقُرآنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لوَجَدُوا فِيهِ اخْتََلافًا كًثيرًا[62].
   وإنّ جمع القرآن الكريم لموضوعات عدة تصب في محور واحد، تؤدي إلى هدف واحد في سورة واحدة لأمر عجيب، ومعجز حقا، إذ هو يلائم بين موضوعات قد تبدو مختلفة، ولكنّها بصياغة خاصة تترابط في السورة، وبصياغة أخرى تترابط مع موضوعات أخرى في سورة أخرى، بحيث لا يستطيع بشر أن يفعل ذلك، وهذا واضح في القصص القرآني، إذ القصة الواحدة واردة في أكثر من سورة، ولكنّها تختلف في سورة منه عنها في أخرى - كما أسلفنا سابقا - لموضوع السورة العام، وغرضها الذي يؤدي إليه، وممّا يزيدنا يقينا أنّ القرآن من عند الإله الحكيم العليم، عندما نلاحظ أنّ موضوعات السورة الواحدة قد تباعد زمن نزولها[63]، وحينما يتأمل المتدبر في القرآن الكريم، يرى ذلك التناسق والترابط العميق بين آياته، تتجلى فيه عظمة الله تعالى وحكمته البالغة، وتتضح لنا حقيقة الوحدة الموضوعية، في أنها وجه من أوجه الترابط بين أجزاء وآيات السورة الواحدة، وتآلف معانيها، لتشكل موضوعا واحدا، هو موضوع السورة، ونوعا من أنواع المناسبات، كما جاء في كتاب "علم المناسبات في السور والآيات"[64] التي أعجزت أساطين العرب، واللغويين عن محاكاة هذا الكلام المترابط المتين، وهذا مما يؤكد أنّ القرآن ليس بكلام البشر، ويرد على الملحدين والمستشرقين وافتراءاتهم.
    ويحدثنا الحجّة برهان الدين البقاعي عن هذا الترابط، وعلاقته بالوحدة الموضوعية في السورة القرآنية الواحدة، فيقول: «...فعلم مناسبات القرآن: علم تعرف منه علل ترتيب أجزاءه، وهو سرّ البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المقال لمقتضى الحال، وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيه »[65]
   ويقول أيضا في موضع آخر: «إنّ من عرف المراد من اسم السورة؛ عَرف مقصودها، ومن حقق المقصود منها عرف تناسب آيها وقصصها وجميع أجزائها...فإنّ كل سورة لها مقصدا واحدا يُدار عليه أولها وآخرها، ويستدل عليه فيها، فتترتب المقدمات الدالة عليه على أكمل وجه، وأبدع منهج»[66]
وهذا من تمام إعجاز القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
   ويُعبّر السيوطي عن هذا المعنى بشكل دقيق للغاية بكلام يحتاج منا الوقوف عنده والتأمل فيه، فيقول: «ومعرفة الأمر الكلي المفيد لعرفان المناسبات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاجه ذلك الغرض من المقدمات، إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام، واللوازم التابعة له، التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف، إلى الوقوف عليها، وبهذا يتبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة»[67]، وهذا ما لا تقف عليه في كلام الناس، شعرا كان أو نثرا.
   وإذا كان التفسير الموضوعي علما يتخذ الموضوعات الظاهرة أساسا من منهج القرآن وأسلوبه في معالجته لها، متخذا من القواعد، والشروط المرعية في التفسير سلما للوصول إلى هدي الكتاب، وجلال شأنه، كما يقول صاحب "كتاب التفسير الموضوعي في كفتي الميزان"، فإنّ هذا المعنى يتجلى خاصة في الوحدة الموضوعية، التي يعمد صاحبها إلى كشف الموضوع الأساسي للسورة.
    وإذا كان التفسير الموضوعي منهجا يتخذه المفسر سبيلا للكشف عن مراد الله تعالى من خلال الموضوعات التي يطرحها، والقضايا التي يعالجها، توضيحا لهداية القرآن، وتجلية لوجوه إعجازه، فلا أدلّ ولا أجلّ من الوحدة الموضوعية للسورة عَلما على نجاعة هذا المنهج، في الوصول إلى تجلية المعنى، والوقوف على موضوعات القرآن وهداياته.
   وإن كانت للوحدة الموضوعية علاقة بالنظم، والشكل البنيوي للقرآن الكريم، فإنّه لا يتم التحقق من هذا الأمر، إلاّ بكشف براعة ذلك النظم، وتلك البنية الموضوعية، من خلال السورة الواحدة، والتي يبدو أحيانا أنّ لها مقاصد شتى، وأفكارا عدة مختلفة متباعدة، والحقيقة عكس ذلك تماما، إذ الناظر فيها، والمدقق لها يرى تلك اللحمة من الأفكار، وذلك التناسق في العبارات، والألفاظ، وذلك التوافق، والتناغم في الفواصل، والموسيقى من بداية السورة إلى نهايتها، وكيف يقلب العجز على الصدر، حتى تبدو لك تلك الأفكار ملتئمة متزاحمة تصب جميعها في قالب واحد، يمثل موضوع السورة.
   وإن كان للوحدة الموضوعية للسورة القرآنية كل ذلك القدر في التوصل إلى فهم القرآن فهما صحيحا، فإنّ لهذا المنهج في التفسير أهمية كبرى لا ينبغي الاستهانة بها، وذلك باتخاذ هذا المنهج طريقا لفهم المعنى الدقيق لسور القرآن في شكله الكلي، حيث يساعد هذا الفهم في وضع اليد على المعنى، والمقصد الذي ترمي إليه السورة، ولا يترك مجالا للتخبط والحيرة في ترجيح معنى على آخر، بل يكسب المفسر قناعة تامة في المعنى الذي يختاره، والذي يخدم مقصد السورة ككل، وسنعرج الآن على أهمية هذا المنهج في التفسير ومزاياه.
الفرع الثاني: أهمية الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية.
    لقد اختلفت مناهج المفسرين في تناول كتاب الله تعالى، والكشف عن معانيه، وعلومه، وفنونه، وهداياته، ذلك أن عملية التفسير التي تعني الكشف عن مراد الله تعالى بقدر الإستطاعة البشرية، قد بدأت منذ صدر الإسلام، بإزالة الغموض عن ألفاظه، والإشكال عن معانيه، معتمدين في ذلك على التفسير بالمأثور، وعلى اللغة العربية التي توسع في هذه الأخيرة بعد ذلك كثير من العلماء، نتيجة دخول العجم في الإسلام، الأمر الذي جعل الناس يهتمون باللغة في التفسير، ثم توسع الناس بعد ذلك بما اقتضته الحاجة إلى التفسير، فظهرت اتجاهات ومناهج جديدة، حيث كان لكل عالم اتجاهه وميوله، ولكل منهجه وطريقته، حتى عجّت كتب التفسير بالقضايا الفكرية والفلسفية، وبالأحكام الفقهية، والآراء المذهبية، والنزاعات الطائفية، والنظريات العلمية...وقد احتاجت الدراسات القرآنية إلى مناهج جديدة في المجالات الاجتماعية، والسياسية، والتربوية، فكان التفسير الموضوعي رغم حداثته هو الخيار الطبيعي، والوجهة الجديدة التي انتهجها العلماء، وركّزوا عليها في هذه المرحلة، هذا فضلا عن توجههم إلى السور القرآنية يستعجلون مقاصدها، ويكشفون عن موضوعاتها وأساليبها التي تعالج بها القضايا المتعددة التي تطرق بابها، مركزة على جانب الهداية القرآنية، مستجمعة لأهدافها، وغاياتها النبيلة[68]، كما أنّ هذا النمط من التفسير -الوحدة الموضوعية- هو أقرب لتحقيق الغاية التي نزل من أجلها الكتاب، تيسيرا للهداية، مع التركيز على المقصود دون تشتيت الذهن بمباحث جانبية، هذا مع ما هو معلوم أن القضايا التي تناولها القرآن العظيم، هي القضايا التي شغلت البشرية وستظل تشغلها، وتجد نفسها عاجزة عن حل المشاكل التي تواجهها سواء كانت دينية، أو دنيوية بدون هداية القرآن.
   وكما لا يخفى على أحد من المفسرين اليوم، أن منهج التفسير الموضوعي -الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية- بات من الأهمية بما كان، ولإعطاء هذه المصداقية لهذا المنهج، فإننا نشير إلى بعض فوائده تحديدا من الناحية العملية، فنقول:
أولا: من بين الفوائد التربوية لهذا المنهج، كون التنوع في معالجة الموضوع الواحد يناسب الفطرة الإنسانية، التي تتطلع وتطمح دائما للتنوع، وللجديد، فلا يتسرب إليها الملل، الذي يدخل إليها عندما يعالج موضوع ما باضطراد معين.
ثانيا:  يساعد هذا التنوع في معالجة الموضوع الواحد على تثبيته في نفس التالي، أو السامع لكتاب الله عزّ وجل، أو المهتدي بهديه، إذ هو يوالي له إثبات هذا الموضوع من طرق عديدة، فكأنّه يكرر له هذا الموضوع دون تكرار، وإنما هو الترداد المستمر الذي يثبت القلب، ويغرس فيه موضوع السورة من موارد شتى، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ، وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتيِلاً[69]
ثالثا: يمكن أن نستنبط من خلال عرض القرآن لموضوع السورة، منهجا تربويا خالصا؛ إذ يشير في بداية السورة إلى الموضوع الذي يريد الحديث عنه، ثم يوالي إثباته بالموضوعات الجزئية، ثم يختم في النهاية بإثبات هذا الموضوع، وهو ما يشبه بعض الطرق التربوية في التعليم، حيث يعرض المدرس الموضوع في مقدمة عرضا عاما، يتحدث فيها عن محتوى المادة المُقدمة كفكرة عامة، ثم يجزئ هذا المحتوى إلى أفكار جزئية، وهذا ما يُعرف بتحليل المادة العلمية، مع التدليل على كل فكرة، ثم يخلص في الأخير لوضع خاتمة يؤكد فيها الموضوع الذي تناوله.
رابعا: كما أنّ هذه المعالجة للمواضيع تتلاءم مع استعدادات المؤمنين، على اختلاف قدراتهم، وثقافاتهم، ونسبة ذكائهم، ومعدل جهدهم، في فهم وتلقي هدايات القرآن الكريم، فبعضهم أسعد به من بعض، فقارئ جزء من القرآن تكون هدايته أقل ممن قرأ جزءا أكبر منه إن كانا متساويان في القدرة الفكرية والاستعدادات الفطرية، وبهذا يكون القرآن الكريم منبعا لا ينفذ، ومعدنا لا يصدأ، يأخذ كل منه بما له من قوة وعزم.
خامسا: إنّ محاولة وضع اليد على موضوع السورة العام قبل الإقبال على تفسيرها، يعين ويساعد على الخوض في تفسير آياتها بما هو أعمق وأدق، لأنه مبني على ذلك الموضوع، فلا يتسرب إلى ذهن أحد أن مواضيع السورة مختلفة متنافرة، ولا أن قصصها مكررة مملة، وإنما يتخلل عقل المفسر يقين لما ذهب إليه من اختيارات، وترجيحات تخدم الموضوع العام للسورة.
سادسا: يُغطي جانبا من جوانب الإعجاز العلمي، ويرد على شبهات المستشرقين، وأتباعهم الذين أنكروا هذا التناسب، ودعوا إلى إعادة ترتيب القرآن وفق نزوله، كما سيأتي لاحقا.
سابعا: يعين على فهم القرآن، بتلك النظرة الكلية الشاملة، التي تعين على فهم المعنى من خلال معرفة سياق الآيات، ومقاصد السور، وأهدافها، وصلتها بالسياق القرآني العام.[70]
     ويقول الدكتور عبد الله درّاز: «وبهذا تعرف مبلغ الخطأ الذي يتعرض له الناظرون في المناسبات بين الآيات، يعكفون على بحث تلك الصلات الجزئية بينها بنظر قريب إلى القضيتين أو القضايا المتجاورة، غاضين أبصارهم عن هذا النظام الكلي الذي وضعت عليه السورة في جملتها، فكم يجلب هذا النظر القاصر لصاحبه من جور على المقصد؟ وكم ينأى به عن أروع نواحي الجمال في النظم»[71].
   ويضرب لنا الدكتور باقر الصدر مثالا حيا عمن أغفل النظرة العامة لمقصد السورة، وذهب يتتبع آياتها وألفاظها فيقول: «وهل يكون مثله إلا كمثل امرئ عرضت عليه حلة موشية دقيقة الوشي ليتأمل نقوشها، فجعل ينظر فيها خيطا خيطا ورقعة رقعة، لا يتجاوز بصره موضع كفّه، فلمّا رآها يتجاوز فيها الخيط الأبيض والخيط الأسود وخيوط أخرى مختلف ألوانها اختلافا قريبا أو بعيدا لم يجد فيها من حسن الجوار بين اللون واللون ما يروقه ويأنّقه، لكنّه لو مدّ بصره أبعد من ذلك إلى طرائف من نقوشها لرأى من حسن التشاكل بين الجملة والجملة ما لم يره بين الواحد والواحد، ولتبين له من موقع كل لون في مجموعته بإزاء كل لون في المجموعة الأخرى ما لم يتبين له من قبل، حتى إذا ألقى على الحلّة كلها نظرة جامعة تنتظم أطرافها، وأوساطها، بدا له من تناسق أشكالها، ودقة صنعتها ما هو أبهى وأبهر، فكذلك ينبغي أن يصنع الناظر في تدبره لنظم السورة من القرآن»[72]، ومن خلال عرضنا لأهمية هذا المنهج في التفسير ومزاياه، يتضح لنا مدى أهمية الموضوع، ومدى حاجتنا لفهم القرآن فهما جديدا معاصرا، ولهذا بات البحث في مناهج التفسير أمر ضروري، وأصبح التجديد فيها أمرا مهما، وهذا نظرا لطبيعة الحياة ومتغيراتها، حيث أنزل هذا القرآن لخدمة البشر في كل مكان وزمان، وهداية لهم.
المطلب الثالث: نشأة الوحدة الموضوعية وأقوال العلماء فيها.
   إذا كانت الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية طريقة من طرق تناول التفسير الموضوعي الكشفي كما قررنا سابقا، وأنّ للوحدة الموضوعية علاقة مباشرة بعلم المناسبة في القرآن الكريم، فإن نشأتها تتزامن مع نشأة علم المناسبة، وتطورها مرهون بتطور التفسير الموضوعي الذي أصبح هو المنهج البديل في الأزمنة المتأخرة، ذلك أنّ القدامى لم يحددوا مصطلح الوحدة الموضوعية، ويعتبرونها لونا مستقلا بذاته، بل تحدثوا عنها ضمنيا، عند كلامهم عن أنواع التناسب، وعن علم المناسبة، وأنّ المتأخرين فصّلوا بعض الشيء فيها، وحاولوا أن يضعوا اصطلاحات جديدة لكل نوع من أنواع التفسير الموضوعي، فوضعوا لذلك قواعد، وضوابط لكل لون من ألوان التفسير، ولكل نوع من أنواع التناسب.
   هذا ما يجعلنا نرجع إلى أقوال السابقين نستلهم من خلال كلامهم حديثهم عن الوحدة الموضوعية، ولو لم تكن مستقلة كلون من التفسير كما أسلفنا، وإذا كان التفسير الموضوعي يتناول الآيات المتعلقة بالموضوع متفرقة متناثرة في القرآن الكريم كله، ويرتبها حسب النزول، ثم يفسرها ويحللها متبعا في ذلك خطوات معينة، فهو أيضا يتناول الموضوع في إطار السورة الواحدة، رغم أنه لا يزال منهج البحث فيه قائما، والخطة مرسومة في إطار السورة القرآنية بأسلوبها المعجز ووسائلها وأسباب هداياتها، وطرق معالجتها لموضوعها وقضاياها، وقد عزّ هذا الأخير على كثير من المفسرين والمتدبرين لكتاب الله، ذلك أنّ استخلاص موضوع واحد تدور حوله السورة يتطلب دقة في النظر وصبر وطول بحث.
  يقول الدكتور عبد الجليل عبد الرحيم: «التفسير الموضوعي خارج نطاق السورة القرآنية كما وضحنا لم يعترضه أحد، بل وجدت الكل يحبذه، ويثني على منهجه في البحث، ويعقدون عليه الآمال في نهضة حضارية قرآنية، يوجد فيها الحل لمشاكل، ومعضلات البشرية...»[73]، ثم يواصل ليحدثنا عن اختلاف الناس في اللون الآخر من التفسير الموضوعي، فيقول: «وهذا على خلاف الشق الثاني وهو: الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، حيث احتدم حولها الجدل، وثار النقاش للآراء المتعددة المطروحة حولها، نظرا لأنها أشد صلة وأقرب لُحْمَةً بالتفسير التقليدي، مما أثار حفيظة العديد من المفسرين والعلماء والباحثين»[74]، ويؤكد الدكتور مصطفى مسلم هذا الرأي، فيقول: «ولم يظفر هذا اللون من التفسير الموضوعي بعناية المفسرين القدماء بل جاء في ثنايا تفاسيرهم الإشارة إلى بعض أهداف السور، وخاصة القصيرة منها، وكذلك التوخي لوجه المناسبة بين مقاطع بعض السور، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وكما فعل البقاعي في نظم الدرر، وعبد الحميد الفراهي في كتابه نظام القرآن»[75]، بل إن الدكتور جمال العمري يذهب أبعد من ذلك؛ إذ يرى أن التفسير الموضوعي التجميعي لم تقم له قائمة من الناحية التفسيرية، لا قديما ولا حديثا، إلا نادرا، حيث يقول: «إن ذلك اللون من التفسير وجد ما يدانيه من علوم أخرى، إلَّا أنه على النحو التفسيري لم يتم بنيانه، ولم تقم أركانه، ولم ينح نحوه أحدا من العلماء السابقين، بل لم يتعرض له من اللاحقين إلا قليل»[76]، ولعل الدكتور قد وقع في وهم حينما يتحدث إلينا الآن عن أن بذور التفسير الموضوعي قد ظهرت في عهد النبيr، وصحابته، أو ربما قصد التفسير من الناحية التفسيرية، حيث يقول عند كلامه عن نشأة التفسير الموضوعي بين الماضي والحاضر ما يلي: «تذكر لنا المصادر القديمة أنّ بدور من التفسير الموضوعي نبتت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته رضي الله عنهم»[77]، وضرب لذلك أمثلة من تفسير بعض الآيات التي استشكل معناها على الصحابةy، فاستدل على معناها بآيات أخر، موجودة في سور أخرى في القرآن، كعدة الآيسة، وقضية الظلم، الذي فسّره رسول اللهr بالشرك.
    ثم وضع علي رضي الله عنه لبنة أخرى للتفسير الموضوعي، حيث كان يجمع الآيات في الموضوع الواحد يستخلص منها جميعا حكما صادقا يفسر فيه القرآن بعضه بعضا، من ذلك قصة مراجعته لعمر بن الخطاب، في إقامة حدّ الزنا على امرأة، وضعت بعد زواجها بستة أشهر.
   ثم مرت الأزمان وألَّف الناس في موضوعات القرآن بين مُقِّلٍ ومُكْثِرٍ، فألَّفوا في الناسخ والمنسوخ، منهم قتادة بن دعامة السدوسي (118هـ)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (224هـ)، وأبو جعفر النحاس (338هـ)، وألفّ أبو زكرياء الفراء(207هـ في معاني القرآن، وأبو بكر السجستاني (330هـ والراغب الأصبهاني(503هـ في غريب القرآن، وابن قتيبة(276هـ) في مشكل القرآن، وفي مجاز القرآن ألف أبو عبيدة (206هـ)، والشريف الرضي(406)هـ، كما ألف الجاحظ (255هـ)، والرماني(386هـ والخطابي(388هـ)، والباقلاني(403هـ والجرجاني(471هـ في إعجاز القرآن، وابن القيم(751هـ) في أقسام القرآن، وألفّ علي بن المديني(234هـ وأبو الحسن الواحدي (468هـ) في أسباب النزول،وكذلك السيوطي(911هـ وألفّ البقاعي(885هـ وابن الزبير(708هـ) في تناسب السور، وغير هؤلاء كثير، وقد فسّر ابن تيمية بمنهجه بعض سور القرآن، مبتدأ بسورة النور الشبيه بمنهج التفسير الموضوعي في إجماله، وأفرد سورة الإخلاص بتفسير، والمعوذتين بتفسير وهكذا، وكذا فعل تلميذه ابن القيم الجوزية، وقبلهم الراغب الأصفهاني، ولكنّ الغالب على التفسير قديما هو المنهج التحليلي.
   ويشير الشيخ برهان الدين البقاعي عند حديثه عن علم المناسبات، وأهمية معرفة مقصد السورة، خاصة عند كلامه عن الآيات وترابطها في السورة الواحدة، حيث يقول: «علم تعرف منه علل الترتيب، وموضوعه أجزاء الشيء المطلوب، علم مناسبته من حيث الترتيب، وثمرته الإطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه وما أمامه من الارتباط والتعلق، الذي هو كلحمة النسب...وهو سرّ البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد المقصود من جميع جملها، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير، نسبة علم البيان من النحو»[78]ونستشف من قوله هذا إشارات توحي بأنّ الشيخ يقصد هذه الوحدة الموضوعية، وإن لم يطلق عليها هذا الاسم، بل سمّاها "مقصود السورة" وهو نفسه موضوع السورة، حيث يقول: "وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها وهو ما نسميه نحن الوحدة الموضوعية، بل يرى أنّ الإجادة في علم التناسب تتوقف على معرفة هذا المقصود.
  ويزيد هذه القضية توضيحا القاضي أبو بكر بن العربي[79]، فيقول: «ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، حتى يكون كالكلمة الواحدة، متسعة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة»[80]، وهو يتحدث عن موضوع السورة سواء من ناحية الشكل (النظم) أو الموضوعات (المعنى) .
    ونقل الزركشي[81]، عن العز بن عبد السلام، أنه قال: «المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام، أن يقع في أمر متحد، مرتبط أوله بآخره»[82]، ففي قوله أمر متحد، مرتبط أوله بآخره، إيحاء لموضوع واحد، تصب فيه أجزاء الكلام.
  وتحدث الإمام الرازي عن مقصود سورة البقرة، عند تعرضه لتفسيرها، فقال: «ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها، علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهو أيضا معجز بسبب ترتيبه، ونظم آياته»[83]، ونستشف هذا أيضا من خلال تعرضه لتفسير بعض السور، حيث يورد كلاما يتحدث فيه عن مقصد السورة وموضوعها.
   ويرى البقاعي أيضا أنّه من ضيّع هذا العلم من المفسرين والناظرين في القرآن الكريم، فقد فاته الخير الكثير، فلا يمكنه الوقوف على المقاصد، والمعاني العميقة، فيقول: «...وبذلك أيضا – أي بمعرفة أسباب الترتيب والتناسب- يوقف على الحق من معاني آيات حار فيها المفسرون لتضييع هذا الباب من غير ارتياب»[84]، ويرى أن معرفتك مقصود السورة يطلعك على أسرار تكرار القصة الواحدة في عدة سور، فيقول: «...وينكشف لك غامض معناه، ويتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة، فَلِمَعْنَى اُدعِيَ في تلك السورة، استدل عليه بتلك القصة، غير المعنى الذي سيقت له في السورة السابقة، ولهذا اختلفت الألفاظ، وتغيرت النظوم، بالتأخير، والتقديم، والإيجاز، والتطويل..»[85]     
 فورود القصة في تلك السورة إذًا، يخدم جانبا من موضوعها، الذي سيقت له، دون أن يخل بالمعنى الأصلي للقصة نفسها، وهذا من تمام إعجاز القرآن، الذي نكشف عليه بتطبيقنا لمنهج التفسير الموضوعي.
   ويحدثنا عبد الله دراز عن الأئمة قديما، إذ أشاروا إلى مقصد السورة، فيقول: «قال الأئمة[86]: إن السورة مهما تعددت قضاياها، فهي كلام واحد، يتعلق أوله بآخره، وآخره بأوله، ويترامى بجملته إلى غرض واحد، كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة، وإنه لا غنى لمتفهم نظم السورة، عن استيفاء النظر في جميعها، كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية»[87]وهذا الكلام الذي قاله هنا، هو في الحقيقة مستنبط من كلام الشاطبي في الموافقات، في المسألة الثالثة عشر، وقد عرض فيها سورة المؤمنون عرضا إجماليا.  
   وفي العصر الحديث تقاعست الهمم، وقلت الجهود في هذا المجال، حتى جاء عصر النهضة أين تحركت العزائم، وأُوقضت الهمم، «وظهرت آثار أخرى في الاتجاه التفسيري، نشأت عن عوامل مختلفة أهمها التوسع العلمي وانتشار الثقافة واتساع الحضارة»[88] مثل التفسير العلمي، والتفسير الأدبي والاجتماعي، والتفسير الموضوعي، وتطور هذا الأخير في العصر الحديث ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وبداية القرن العشرين على يد الشيخ محمد عبده الذي سار على خطى ابن تيمية في فهم القرآن الكريم، وعرض لنا تفسيرا دقيقا للجزء الثلاثين من القرآن[89] أخلاه ونقّاه من كل شوائب العقيدة والإسرائيليات  واستخدم فيه الفكر الحر في فهم معانيه، وقد دعمّ في تفسيره هذا فكرة وحدة السياق في السورة الواحدة، وأنّ المدار على عموم اللفظ لا  على خصوص السبب[90] وسار على نفس النهج علماءُ ومُجددون أمثال: سيد قطب، والشيخ أمين الخولي، وعائشة عبد الرحمن، والدكتور شوقي ضيف، ومحمد خلف الله أحمد...، وغيرهم، فأمَّا سيد قطب فخير شاهد على ما قدَّم تفسيره الظلال، ومحمد خلف انتهج هذا المنهج في تفسير سورة الرعد، وشوقي ضيف فسر سورة الرحمن، وقصار السور، وعبد الله دراز عمل على سورة البقرة، وبنت الشاطئ في تفسيرها البياني.
    ومن المتأخرين أيضا من يرى أن التفسير الموضوعي لا يقتصر إلا على التفسير الموضوعي للموضوع القرآني، دون أن يشير إلى ألوانه الأخرى، منهم فضيلة الشيخ أحمد السيد الكومي الذي كتب "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم"، والأستاذ عبد الحي الفرماوي، في كتابه"البداية في التفسير الموضوعي" حيث لخصّ هذا الأخير سبع نقاط حول هذا المنهج، إلاّ أنه أشار أيضا إلى الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، ولكنه لم يضع منهجية لها، وله كتابا أيضا اسمه "المدخل في التفسير الموضوعي".
   كما جاء الدكتور عبد الستار سعيد، فجعل المبحث السادس من كتابه "منهج البحث في التفسير الموضوعي" للمنهج، فذكر فيه ثمان خطوات إجمالا، ثم عاد إليها بالتفصيل، لبيان المراد بكل خطوة، إلاّ انه نحى نفس المنحى، ولم يعط للوحدة الموضوعية اهتماما، بله ينفي صراحة الألوان الأخرى للتفسير، حيث يقول: «...وكذلك يتجنب المفسر الكتابة تحت هذا العنوان فيما يسمى بـ "النظام القرآني" أو "الوحدة الموضوعية في سور القرآن" أو التفسير الموضوعي بمعناه العام كالنسخ في القرآن ونحوه، أو علم المناسبات، لأن هذه الجوانب مع جلالتها وأهميتها خارجة عن مصطلح التفسير الموضوعي بمعناه الجديد المقيد بمعناه الخاص على ما بيناه سابقا»[91]، لكنه يرى إلاّ أن تقوم للوحدة الموضوعية خطّة مضبوطة، وقواعد محكمة، فإنها تبقى من الدراسات القرآنية، وليست من التفسير الموضوعي.
   وعلى الرغم من جلالة هؤلاء العلماء، وقدرهم، فإن نظرتهم لهذا المنهج، لا تزال قاصرة، عما رآه كثير من علماء عصرهم، لاسيما أنهم يتحدثون عن أصول هذا العلم من الناحية النظرية، ولو أنهم طبقوا بعضا من هذه المناهج في تفسيراتهم، كما فعل بعض الذين ردوا عليهم، لوجدوا نتائج مرضية وللتمسوا فيه الخير الكثير، كما يحدثنا عن ذلك الأستاذ عبد السلام حمدان اللوح، الذي كتب مقالا يتحدث فيه عن تطور هذا اللون من التفسير الموضوعي، وضعف رأي الفرماوي، والكومي، وعبد الستار سعيد فيقول: «ومما يؤكد ضعف ما ذهب إليه الفرماوي وعبد الستار سعيد من قصر التفسير الموضوعي على لون واحد فقط دون سواه، وبالذات ما يتعلق بالوحدة الموضوعية، أننا نجد إنجازات لعلماء أفاضل قاموا بالبحث التطبيقي للتفسير الموضوعي حول السورة القرآنية، مثل ما كتب الشيخ محمد الغزالي تحت عنوان "نحـو تفسـير موضـوعي للقرآن الكـريم" حيث أنجز الأجزاء العشرة الأولى، ويقول في مقدمته: «...والهدف الذي سعيتُ إليه أن أقدّم تفسيرا موضوعيا لكل سورة من الكتاب العزيز...لقد عنيت عناية شديدة بوحدة الموضوع في السورة، وإن كثُرت قضاياها، وتأسّيْتُ في ذلك بالشيخ محمد عبد الله دراز عندما تناول سورة البقرة ...فجعل منها باقة واحدة ملونة نضيدة يعرف ذلك من قرأ كتابه "النبأ العظيم"»[92]
   وقد كتب الدكتور عبد الله درّاز حول الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، تحت عنوان: "الكثرة، والوحدة"، أي كثرة في قضايا السورة، ووحدة في موضوعها، ومحورها، وقد كان ذلك بمثابة حجر الأساس للتفسير الموضوعي، في السورة القرآنية.
  ووضع الدكتور مصطفى مسلم كتابه: "مباحث في التفسير الموضوعي" جعل لوحدة الموضوع مبحثًا خاصًا، فصّل فيه منهجية هذا اللون، وربما لا أكون مخطئا، لو قلت أنه أول من وضع منهجا متكاملا للبحث في موضوع السورة، وقد تحدث عن ثلاثة ألوان للتفسير الموضوعي[93]، ولكنه لـم يضع منهجية حول اللفظة القرآنية، ولكّنه أعطى للسورة القرآنية منهجية، فوضع لها أربع خطوات أساسية موجزة، ثم عاد إليها بالتفصيل، خاصة فيما يتعلق بتحديد محور السورة، وكيف يمكن التعرف عليه، من خلال عدة أمور، ثم تحدث عن الهدف في السور القصيرة، والسور الطويلة، وكذلك الإطناب والإيجاز في قضايا عرضتها السورة[94]، أمّا الدكتور صلاح الخالدي فقد ذكر في كتابه "التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق" ثلاثة ألوان من التفسير الموضوعي وهي: المصطلح القرآني، والموضوع القرآني، والسورة القرآنية، ووضع وصفا كاملا لكل لون من هذه الألوان بما يوضحها ويحدد معالمها[95].
وبهذا ندرك كيف نشأت وتطورت ألوان التفسير الموضوعي، ولا سيما الوحدة الموضوعية، ومنهجية البحث فيها من حال إلى حال، ومن ضعف إلى قوة، ومن قلة إلى كثرة.



[1] - لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، تحقيق: عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2003م/1424هـ، ج6، ص: 134.
[2] - سورة الفرقان: آية 33.
[3] - معجم تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: د. رياض قاسم، دار المعرفة، الطبعة:1، سنة: (1422هـ/2001م)، بيروت، لبنان. المجلد الثالث، ص: 2787.
[4] - حديث رواه الترميدي، في سننه، باب: ما جاء في الإسفار، ج1، ص: 263، ورواه النسائي في باب: الإسفار بالفجر، ج2، ص: 277، ورواه أحمد في المسند من طريق رافع بن خديج، ج35، ص: 150/ج48، ص: 157/ ج48، ص: 172. وأخرجه = ابن أبي شيبة في مصنفه: ج1، ص: 345،355، 457، 478. ورواه الطبراني في المعجم: ج9/4/17، ص: 460،13،150. ورواه البيهقي في الآثار، باب: الصبح، ج2، ص: 325.
[5] - تاج اللغة وصحاح العربية، لأبي إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة4، 1426هـ/2005م، بيروت لبنان، الجزء: 2، ص: 589.
[6]- البرهان في علوم القرآن، للإمام بد ر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى، (1376 هـ/ 1957م)، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابى الحلبي وشركائه، ج1، ص: 147.
[7] - كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي الفاروقي التهانوي، تحقيق: لطفي عبد البديع، المؤسسة المصرية، العامة، مكتبة النهضة العربية، الطبعة:1، 1382هـ /1963م، ص: 33.
[8] - البحر المحيط، علي بن يوسف أبي حيان الأندلسي، ج1، ص: 14.
[9] - البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، (مصدر سابق)، ج1، ص: 13.
[10]- سورة: الغاشية، الآية: 14.
[11]- سورة: الرحمن، الآية: 10.
[12]- سورة: آل عمران، الآية: 96.
[13]- المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سعيد كيلاني، دار المعرفة، (دون تاريخ)، بيروت. ص: 526.
[14]- التفسير الموضوعي، عبد الجليل، (مصدر سابق)، ص:33.
[15] - مقدمة في التفسير الموضوعي، محمد بن عبدالعزيز الخضيري، كلية المعلمين قسم الدراسات القرآنية، ص: 20.
[16]- مجمع اللغة العربية، (مصدر سابق)، ج: 2، ص: 1052.
[17]- التوقيف على مهمّات التعاريف، عبد الرؤوف المناوي، ( مصدر سابق)، ص: 720.
[18] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، (مصدر سابق)، ص: 16.
[19] - تعني: الدفاع.
[20] - التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، محمد يوسف القاسم، الطبعة الأولى، سنة: 1401هـ/1981م، القاهرة، القسم الأول، ص: 7.
[21] - مباحث في التفسير الموضوعي، (المصدر السابق)، ص: 16
[22] - التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقا، أحمد رحماني، منشورات جامعة باتنة، ص: 42.
[23] - دراسات في التفسير وأصوله، محي الدين بلتاجي، دار الثقافة، الطبعة: ،1 ص: 193 سنة: 1987م، بيروت.
[24] - التفسير الموضوعي، يوسف القاسم (مصدر سابق)، ص:10.
[25] - التفسير الموضوعي، أحمد رحماني، (مصدر سابق)، ص: 14.
[26] - مقال للأستاذ: محمد بن عبدالعزيز الخضيري، كلية المعلمين، قسم الدراسات القرآنية، بتاريخ: 05/02/2002م.
[27] - سورة البقرة: 180
[28] - سورة الأنفال: 23.
[29] - سورة البقرة: 105.
[30] - سورة المؤمنون: 118.
[31] - سورة الأنعام: 17.
[32] - سورة الحج: 36.
[33] - سورة الأحزاب: 25.
[34] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، دار القلم، ط2، 1997م/1418هـ، دمشق، ص: 24.
[35] - المصدر نفسه: ص: 28.
[36] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، (مصدر سابق)، ص: 29.
[37] - حديث رواه البخاري في كتاب التفسير، الجزء8، ص:120.
[38] - المائدة: آية6. وهي قوله تعال: }يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين{ 
[39] - سورة النساء: آية43.
[40] - الحجة في القراءات السبع، للإمام ابن خالويه، تحقيق: د.عبد العال سالم مكرم، دار الشروق، ط2، 1397هـ/1977م، بيروت. ص: 124.
[41] - سورة آل عمران، آية: 188.
[42] - قواعد التدبر الأمثل، حبنكة الميداني، الطبعة الثالثة، دار القلم، سنة: 2004م، ص: 12.
[43] - المصدر نفسه، ص: 13.
[44] - المصدر نفسه، ص: 27.
[45] - المصدر نفسه، ص: 53.
[46] -  سورة الإسراء، الآية: 23.
[47]- أبو بكر بن الحسن بن دريد، تحقيق: منير البلعبكي،  ج: 2، ص: 972، الطبعة الأولى، دار الملايين، نوفمبر1987م.
[48]- معجم المصطلحات العربية، د. فايز الداية، ص: 77،  دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى، 1410هـ/1990م.
[49]- هو جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن أحمد بن أبي القاسم بن حقة بن منظور الأنصاري الأفريقي المصري الأسدي اللغوي، مولاهم الكوفي النحوي، صاحب الكسائي، يروي عن قيس بن الربيع، ومندل بن علي، وأبي الأحوص، وأبي بكر بن عياش، وعلي بن حمزة الكسائي، توفي سنة: 711هـ.  أنظر: - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة جلال الدين السيوطي، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم،  دار الفكر، الطبعة الثانية، سورية، 1979م، وسير أعلام النبلاء، شمس الدين بن أحمد بن عثمان الذهبي، ج10، ص: 119، مؤسسة الرسالة، (د.ط)، بيروت، لبنان، 1985م.
[50]- لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، تحقيق: عامر أحمد حيدر، ج:6، ص: 4780، مادة وحد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2003م/1424هـ.
[51]- التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر، سورية، 1990م، ص: 675.
[52]- لسان العرب، (مصدر سابق)، ص: 4780.
[53]- ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير، وأساس البلاغة، أحمد الظاهر الزاوي، دار الفكر، الطبعة الثالثة، (دون تاريخ)، دمشق، ج:1، ص: 581.
[54]- الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، محمد محمود حجازي، دار الكتب الحديثية، مطبعة المدني، الطبعة1 1390هـ، 1970م، ص: 32.
[55]- المعجم الوسيط- معجم اللغة العربية- القاهرة، ج: 2، ص: 1028.
[56] - هو إبراهيم بن موسى أبو إسحاق: فقيه مالكي، وأصولي مفسر، من أهل غرناطة، من مؤلفاته: "عنوان التعريف بأسرار التكليف" في الأصول، وكتاب: "الإعتصام" في تعريف البدع، و"الموافقات"، وله مؤلفات في النحو، وأصول الأحكام، توفي سنة 790أو 791هـ/1388م. أنظر: الأعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص: 75، دار الملايين، ط15، بيروت/ لبنان. والمنجد في اللغة والأعلام، لويس معلوف، ص: 381، المطبعة الكاثوليكية، الطبعة الثالثة والعشرون، دار المشرق، بيروت/لبنان.
[57]- الموافقات، أبو إسحاق الشاطبي، ج3، ص: 415، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة، 1325هـ، بيروت.
[58]- مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، ص: 28، .
[59]- مجموعة مقالات على الأنترنيت، د. عبد الحميد غانم، تاريخ التحديث: 16/02/2005م،/WWW.islam.ORG
[60] سورة العنكبوت، الآيتان: 11/12، وهي من المؤكد آياتان مدنيتان، لأن النفاق ظهر في المدينة بعد الهجرة.
[61]- وهي شروط المفسر الخمسة عشر: اللغة، والبيان، والصرف، والمعاني،، والاشتقاق، والنحو، والبديع، والناسخ والمنسوخ، ومعرفة أسباب النزول، وعلم التاريخ، وأصول العقيدة، والفقه وأصوله، والقصص، أحاديث المجمل والمبهم، وعلم الموهبة. أنظر: التفسير والمفسرون، حسين الذهبي، (مصدر سابق)، ج1، ص: 265.
[62]- سورة النساء، الآية: 82 .
[63]- الوحدة الموضوعية، فوزي عبد المطلب، ( مصدر سابق)، ص: 5.
[64]- علم المناسبات في السور والآيات، محمد بن عمر بن سالم بازمول،  المكتبة المكية، الطبعة الأولى، 2002م، مكة المكرمة، ص: 28.
[65]- مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، برهان الدين البقاعي، ج: 1، ص: 142، دار المعارف، تحقيق: عبد السميع محمد أحمد حسنين، 2001م، الرياض، المملكة العربية السعودية.
[66]- المصدر نفسه، ص: 149.
[67]- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، ص: 697، دار الكتاب العربي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، 2004م، بيروت، لبنان.
[68]- التفسير الموضوعي، عبد الجليل، (مصدر سابق)، ص: 39 .
[69]- سورة الفرقان، الآية: 32.
[70]- انظر: نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن من خلال كتاب الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوى، أحمد بن محمد الشرقاوي، ص: 3، والوحدة الموضوعية، رفعت فوزي عبد المطلب، ( مصدر سابق)، ص: 9-10، ومجلة الجامعة الإسلامية، مقالات عبد السلام حمدان، غزة، المجلد الثاني عشر، العدد الأول ذو القعدة 1424هـ/كانون الثاني 2004م، ومجلة كلية الشريعة وأصول الدين، أبها، العدد الثالث: 1403/1404هـ.
[71]- النبأ العظيم، عبد الله دراز، (مصدر سابق)، ص:154.
[72]- المصدر نفسه، ص: 155.
[73]- التفسير الموضوعي في كفتي الميزان، (مصدر سابق)، ص:51.
[74]- المصدر السابق، ص: 52.
[75] - مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، (مصدر سابق)، ص: 29.
[76] - دراسات في التفسير الموضوعي، أحمد جمال العمري، ص: 44. مطبعة المدني، الطبعة الأولى، 1986م، القاهرة.
[77]- المصدر السابق، ص: 51-52.
[78]- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين البقاعي، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، ج: 1، ص: 5، دار الكتب العلمية، ط1، 1995م، بيروت، لبنان.  
[79] - هو محمد بن عبد الله بن أحمد الإمام أبو بكر بن العربي المعارفي الأندلسي الحافظ، ولد في شعبان، سنة: 468هـ، ورحل مع أبيه إلى المشرق، ودخل الشام، فتفقه على يد أبي بكر الطرطوشي، ولقي بها جماعة من العلماء والمحدثين، ودخل بغداد، فسمع بها من طراد الزينبي، ونصر بن البطر، وأخذ الأصلين عن أبي بكر الشاشي، والغزالي، والأدب عن أبي زكرياء التبريزي، صنف "التفسير"، و"أحكام القرآن"، و"شرح الموطإ"، و"شرح الترمدي"، وغير ذلك، وولي القضاء ببلده، مات في ربيع الآخر، سنة 543هـ. أنظر: -طبقات المفسرين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ص: 96. وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن محمد العماد الحنبلي، ج4، ص: 263، ونفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، ج2، ص: 274، وهي ترجمة مطولة. 
[80]- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، (مصدر سابق)، ص: 694.
[81] - هو الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي: ولد بالقاهرة سنة: 745هـ، وتوفي في رجب، سنة: 794هـ، من مؤلفاته: "البرهان في علوم القرآن"، و"الإحاطة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"، و"البحر المحيط" في أصول الفقه...الخ. أنظر البرهان، ج1، ص: 9، والأعلام، خير الدين الزركلي، (مصدر سابق)، ج6، ص:237.
[82]- البرهان في علوم القرآن، الزركشي، (مصدر سابق)، ج1، ص: 37.
[83]- المصدر نفسه، ص: 694 .
[84]- نظم الدرر، البقاعي، (مصدر سابق)، ج: 1 ص: 8.
[85]- المصدر السابق، ج1، ص:9.
[86] - مثل أبي بكر النيسابوري، وفخر الدين الرازي، وابن العربي، والبقاعي ، والشاطبي...وغيرهم .
[87]- النبأ العظيم، عبد الله درّاز، (مصدر سابق)، ص: 155.
[88]- التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، ج: 2، ص: 445، دار الكتب الحديثية، الطبعة الثانية، 1976م، 1396هـ.
[89] - فسَّر جزء عم.
[90]- دراسات في التفسير الموضوعي، أحمد العمري، (مصدر سابق)، ص: 57 بتصرف.
[91]- مجلة جامعة غزة، عبد السلام حمدون اللوح، (مرجع سابق)، ص: مج: 12، ص: 57. 
[92]- مجلة غزة، عبد السلام حمدون، (مصدر سابق)، ص: 68،  وكتاب الغزالي نحو تفسير موضوعي للقرآن الكريم، المقدمة.
[93] - التفسير الموضوعي للفظة القرآنية- للموضوع القرآني- للسورة القرآنية.
[94]- مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، ص:40، دار القلم، الطبعة الأولى، 1989م، دمشق.
[95]- التفسير بين النظرية و التطبيق، الخالدي، (مصدر سابق)، ص: 52.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)
12/sidebar/التفسير